الجمعة، 23 سبتمبر 2016

هل نقول حقاً .. وداعاً للأخلاق ..؟ ( إنتكاسة الأخلاق )

بغض النظر عن العلاقات القائمة في مجتمعاتنا وما يسودها من تشابكات وانحرافات وانتكاسات وحتى ارهاصات سواء على المستوى النفسي او الإجتماعي او حتى الأخلاقي والذي يعتبر المؤشر الصحي والدليل على المستوى الثقافي والفكري والأدبي سواء رداءةً وانحطاطاً او جودةً ورفعةً بالنسبة للمجتمع العربي عموماً والسوري خصوصاً .. ويعود ذلك لعدة أسباب وعوامل داخلية وخارجية سنتطرق للحديث عنها تباعاً ..

لكن المثير والغريب بالأمر أنه ورغم مرور عقود من الزمن بل نكاد نقول قرون طويلة وأيضا رغم الإنفتاح الثقافي والإعلامي والتقني في العقود الأخيرة على شعوب وثقافات البلاد الأخرى في أقاصي الأرض مما مكّنَ من سهولة الحصول على المعلومة والإطلاع على تجارب الشعوب الأخرى التاريخية والثقافية والأدبية بشكل يمكّننا من رفع سويتنا الفكرية والأخلاقية وحتى المادية وخاصة الفنون والأدب بمختلف مشاربها كالأدب الروسي واللاتيني والفرنسي والبريطاني وغيرها ..   كأمثلة ..

فماذا كانت المحصلة ربما لا شيء من وجهة نظر الكثير من المراقبين والمحللين أي أننا لم نحرك ساكناً ولم نسعى لأن نكون فاعلين ومنتجين في مستقبلنا وحاضرنا حتى ...!!

هل لهذا الحد أصبحنا سلبيين في ردود أفعالنا التلقائية وفي طرق تفكيرنا ومقيدين في طريقة عيشنا ومواكبتنا للحظات الفرح والسرور والحزن والضعف والإنتصار .. وحتى الإنكسار .. وكل المشاعر والمواقف الإنسانية بسلبياتها وايجابياتها ..
ألم نعد نرى انفسنا أمام المرآة كأفراد وشعوب تستحق الحياة والعطاء والإنتاج .. هل لهذا الحد أصبنا بالخصاء الفكري الأخلاقي بالنتيجة .. لأن الأخلاق هي الدافع والضابط لكل منتج وعمل ايجابي سواء على الصعيد الشخصي او الجماعي ..

والدليل على ذلك أن الفرد عندنا لن تراه متميزاً ومبدعاً ومعطاءاً في ظل منظومة فساد ثقافي وأخلاقي وفكري لأن الظروف والشروط البيئية المحيطة به غير سوية وسليمة بينما في المقابل نراه شخصاً أخر ومختلفاً ومبدعاً وخلّاقاً في طروحاته وحتى هذياناته في بلاد الإغتراب والمنفى وذلك بتغير الظروف والشروط الموضوعية البيئية والمادية المحيطة به .. إنها الأخلاق ايها السادة ..؟

صحيح إنه قيل لنا قديماً بأن فاقد الشيء لا يعطيه ولكن هذا المثل او المقولة او القاعدة ليست مطلقة وإنما نسبية ... فهي مرتبطة بالإمكانات والمقدرات والتطلعات وحتى المساحة التي توفرها له البيئة والتي تنعكس على تطلعاته في المساحة التي يرغب الشخص في امتلاكها وحيازتها وتحقيقها ..!

فجميعنا في بداية انطلاقته لم يكن يمتلك شيئاً يذكر .. أقله إلا القليل من الخيال والإبداع والطموح ممزوجاً بالقليل من الشجاعة والجموح .. فهذا ما يحتاجه أي فرد او مجتمع ليبدأ رحلته في التقدم والتطور المعرفي الفكري على الحد السواء .. ولكن محاطاً بشغاف أخلاقي يكون بمثابة البوصلة والموجّه لتلك البذرة المتمردة في شوقها للعطاء والإبداع والإنعتاق ...

لكن المسار الزمني والتاريخي لأي أمة وشعب قد لا يتجه باتجاه تصاعدي وعمودي .. فليس كل طريق يكون معبداً ومرصوفاً .. والمثال الحي هو واقعنا الحالي في العقود الأخيرة ..ولذلك أسبابه ومؤيداته كما أشرنا سابقاً .. فبالعودة الى واقعنا وتاريخنا القديم نرى بأن العديد من التقلبات والأزمات والإنتكاسات والإرهاصات رافقت تاريخ منطقتنا على إختلاف القوميات واللسانيات والشعوب التي قطنتها وساهمت في بناء حضارتنا او ما يسمى تأريخنا لكن لن نخوض في بحث تاريخي لتلك الإنجازات والبطولات التي صورها مؤرخوها ... سنكون حياديين ومنصفين قدر الإمكان  وسننظر للأمر من جانب آخر ..

إن ما يسترعي الإنتباه هو التراجع الكمي والنوعي في المستوى الأخلاقي والفكري منذ ذاك التاريخ وحتى يومنا هذا مع أن منطق الأمور يفترض العكس تماماً وذلك أن التراكم المعرفي والكمي للشعوب في الذاكرة الجمعية يفترض أن يساهم في تشكيل أرضية وذخيرة خصبة للبناء عليها وتطويرها في منحى تصاعدي ..؟ .. نحو الأفضل

ولكن نتيجة لعدة ظروف وعوامل جغرافية وتاريخية وبيئية وأيديولوجية وغيرها ساهمت في ارتكاسة وانتكاسة الأخلاق في محيطنا بحيث تم تحويل دفة السفينة الى الإتجاه المعاكس .. الى عصور ما قبل الظلمات .. أي قانون الغاب الى حد ما ..؟

الإستعمار والغزو الخارجي كان وما زال أول وأخطر العوامل الخارجية التي ساهمت في هدم وتأخير وتشتيت بنية المجتمع الأخلاقية والفكرية قبل المادية نتيجة لفرض وهيمنة فكر الغازي ومنطقه وسلوكه الأخلاقي وشروطه وقواعده على الساحة الداخلية وعلى الشعب المغلوب على أمره .. خاصة اذا استمر التطبيع فترة زمنية ليست بقليلة ..

وهذا الأمر له تبعات بحيث إن شعوب المنطقة المهزومة ستنحرف عن قاعدة البيانات الأخلاقية والفكرية التي توصلت إليها في مسيرة تجاربها وتفاعلها .. وذلك من أجل توقي خطر المستعمر الجديد حتى يفلت من العقاب والموت في سبيل استمرار الحياة قدر الإمكان ..

وهنالك نوع آخر من الغزو يتمظهر بصيغة الأيديولوجيا الدينية والتي زحفت على أرضنا من مناطق صحراوية بعيدة وقاحلة بعد قدومها مع الفتوحات الدينية التي يحلو لأصحابها بتسميتها كذلك .. على إختلاف مشاربها وأهوائها فقد لعبت دوراً سلبياً في شق الصف وتشتيت منظومة القيم الفكرية والأخلاقية لدى شعوب منطقتنا بما فرضته من أسلوب تفكير عقائدي استسلامي انهزامي رسّخ الفكر المقيد والمخصي والذي يعتمد على الغيب والتسليم الأعمى للعمائم وأقوالها وتفاسيرها .. بعد أن كان انسان منطقتنا يتميز بالإبداع الفكري والخيال الجريء الجامع في تطلعاته وطروحاته .. والدليل هو الإرث الثقافي الميثيولوجي لأجدادنا من أبناء المنطقة ..
                       
                                  .... طبعاً هذا ما يحصل عندما تسمح للأخرين بالتفكير نيابة عنك ..!!

وهذا بدوره صدّع الوعاء الأخلاقي الحاضن للمجتمع وأدى الى انتشار وتكريس عدة مفاهيم ومصطلحات تبريرية ضحلة وحتى قذرة .. كالصبر على الآذى في وجه الحاكم الطاغية والمجاملة التي تحولت الى نفاق ومبدأ سد الذرائع .. والتصفيق بشكل أعمى لما تقوله المرجعيات الدينية حتى ولو كان خاطئاً بالمطلق بحجة عدم الشذوذ عن القطيع وشيئاً فشيئاً تحول التعريف الأخلاقي للسلوك والمشهد الأخلاقي مختصراً ومختزلاً بعدة سلوكيات كإرتياد أماكن العبادة المشبوهة والإلتزام بأداء الطقوس الدينية من صلاة ببغائية وصوم يحاكي الوقاحة في أشكاله وغيرها من تلك الطقوس التي تضرب في جذورها مشارب الوثنية .. وبغض النظر عن القيمة والمنحى الفكري والأخلاقي الصرف الذي يحمله الشخص بين جنباته     .. لقد تم الإهتمام بالقشور وعلى حساب الجذور ..!

أما عن عوامل الداخل .. فإن ما زاد الطين بله .. هو تعاقب حكومات على سدة القيادة في بلادنا كان لها الدور السلبي الأكبر في عملية سحق وهدم ما تبقى من منظومة الأخلاق الفكرية والأدبية وذلك عبر ممارسات ونهج سياسي وإداري سلبي بالمطلق كان لا يتوارى عن دس السم في العسل .. او وضع العصي في العجلات ..؟

إن تلك السياسات المتعاقبة والممنهجة للحكومات المتعاقبة منذ زمن الإستقلال عن الإستعمار الديني الأيديولوجي وحتى وقتنا هذا كانت ومازالت تفرز وتلدُ كل ما هو رديء ومتهالك .. إن القرارات والأحكام الجائرة والإعتباطية والتي كانت تتخذ في غفلة من الزمن وخاصة على الصعيد الإقتصادي كان ومازال لها الأثر الأكبر على تردي الوضع الأدبي والأخلاقي والفكري قبل المادي.. للإنسان ..

فالوضع المعاشي المتردي سيؤدي حتماً بصاحبه الى وضع فكري متردي لأن أولويات وهموم ذاك الإنسان ستكون في تأمين لقمة عيشه وسد رمق اسرته وستصبح تلك المنظومة الأخلاقية في خبر كان .. أي تحصيل حاصل وأمر ثانوي ترفيهي .. وهذا بدوره ساهم في تكريس وظهور مفاهيم مشوهة وسلبية .. كالنفاق والتزييف والتزوير والسرقة بأشكال أكثر احترافية والإحتيال بكافة صنوفه وكل هذا وذاك من أجل تحقيق النتيجة او المبدأ الفوضوي .. دبر راسك .. أي انا ومن بعدي الطوفان ..!

أيضاً سياسة الحكومات من الناحية الإجتماعية والإعلامية وحتى الفكرية كانت ومازالت لها قصب السبق في تردي وضع الإنسان الأخلاقي والفكري .. فهي بدعمها لطبقة رجال الدين والعمائم والذين قاموا بدور سلبي وبتحالف مع رجالات السلطة السياسية في احتواء وامتصاص كل ثورة مطلب جماهيري محقة تنبع من تعبير عن إستياء للوضع المزري والمخزي .. هذا إضافة الى ممارسات بعض رجال الدين وتجارها في تشويه صورة المفاهيم الأخلاقية بأكملها..

وهكذا وعلى مدى عقود تم تشويه الوعاء الأدبي الأخلاقي بشكل ممنهج او غير ممنهج .. فأصبح الشخص الذكي والناجح بالمقاييس الحالية هو المنافق وصاحب الثروة والمتملق الذي يغير مبادئه ويوظف أخلاقه وإمكاناته الأدبية في تلميع صورة السلطة ورجالاتها وتجارها في سبيل اقتتات عظمة من هنا او هناك .. ويتناولها بكل شراهة ومن دون أدنى حس اخلاقي  .. وأصبح مثالاً للشخص الموهوب الحربوق الذي يحاضر بالأخلاق والشرف وغيرها من الأدبيات وبكل وقاحة وعنجهية ..!!

أيها السادة إن مقولة أن ليس بالإمكان أفضل مما كان هي من نتائج تلك الإرهاصات والإنتكاسات والعوامل والأسباب المشوهة والسلبية التي إبتلينا بها ..لا بد لنا من لحظة وقوف مع الذات لإستشعار الكم الهائل من القرف والإشمئزاز والإنحطاط والإنكسار الذي نعيش فيه .. لا بد من البحث عن الحقيقة المختبأة في ذلك السواد المتشظي .. لا بد من البحث عن العطاء والإبداع والخَلق والإبتكار والتميز . قد آنَ لنا أن نتوقف عن تكرار أنفسنا وأجيالنا عبر سلالات ونسخ مشوهة ومتشابهة وعقيمة التفكير والإبداع ..؟

صحيح إن المعركة غير متكافئة الأن بين الأطراف المتصارعة أي بين الجمال والرقي والسمو والفكر الخلّاق والإبداع والخيال .. وبين الإنحطاط والسلبية والدونية والتردي والبشاعة والخزي .. لكن دائماً هنالك فسحة أمل علينا البحث عنها في مكان ما ..

فبإمكاننا البدء من الأجيال الصغيرة الصاعدة فهم أدوات التغيير نحو الأبداع والإنفتاح والخًلق .. وكما ذكرنا سابقاً إن الأخلاق كانت وما زالت هي البوصلة والموجّه والضابط للعمل والنشاط الإنساني بشقيه الخاص والعام لذلك لا بد من فرض مادة الأخلاق وتشريعها وتدريسها في المناهج الدراسية ومنذ الأعوام الأولى لسنوات الدراسة وذلك بعد استبعاد مادة التربية الدينية بكافة أشكالها والتي أثبت التاريخ فشلها وتأثيرها السلبي أكثر من نواحيها الإيجابية ..

أيضاً الإهتمام والعمل على تفعيل دور الإعلام وبشكل سبّاق واستثنائي لدفع وتوجيه المزاج والذوق الشعبي للإهتمام بالثقافة والهواية والتشجيع على ممارسة نشاطات جماعية وايجابية كالفنون بكافة أشكالها وصنوفها لتخلق روح التحدي والإبداع والخيال وتفجر الطاقات الكامنة في العقول الدفينة وذلك بمساعدة المنظمات الأهلية والمدنية وكافة السلطات المحلية والفردية وعلى كافة الأصعدة حتى تعود الأمور الى نصابها وحتى نبتعد قدر الإمكان عن طبيعتنا الغرائزية .. لنتحول ونقترب قدر الإمكان من انسانيتنا المستلبة والمفقودة بكل وقاحة وعنجهية ..!


اللاذقية بتاريخ 18\8\2016

بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - 
  www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com


الخميس، 18 أغسطس 2016

Elissa Law Fiyyi with Jad Nakhleh LIVE TARATATA with LYRICS ENGLISH 200...

ميحانا - ملحم زين & اسماء المنور - تاراتاتا 2010 (HQ)

نجوى كرم عالعين موليتين

الليلة احساسي غريب - القيصر & ملحم & شهد - تاراتاتا 2010 (HQ)

اشهد - كاظم الساهر & ملحم زين - تاراتاتا 2010 (HQ بلا شعارات)

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

Najwa Karam & Mohamad Skandar - Bein El 3aser wel Maghreb (3azez 3alay...

.. نجوى كرم جوزيف عطية ريان محمد اسكندر .. فوق النخل

سمرة يا سمرة وائل جسار يلا نغنى

لطيفة لما يجيبوا سيرتك ** يلا نغنى

لطيفة لما يجيبوا سيرتك ** يلا نغنى

جورج وسوف - روحي يا نسمه مع سلمى الغزالي - تارتاتا

عاصي الحلاني & شدى حسون في تاراتاتا - 2016 - موال روعة + طالعة من بيت أ...

الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

معين شريف ملحم زين شو بيشبهك تشرين

ملحم زين و معين شريف موال يابني 2011 Mawal Yabni

نسم علينا الهوى ماجد المهندس _ إليسا _ اروى _ جاد نخلة

وائل جسار ♫ عاشقه وغلبانه - تاراتاتا 2012

طب وانا مالى وائل جسار يلا نغنى

اجمل ماغنى زياد برجي بعدنا مع رابعة 2015

Heik Menghanni - melhem zein هيك منغني - ملحم زين

الثلاثاء، 10 مايو 2016

المرأة .. من الوأد الجسدي الى الوأد النفسي ..!

في بداية حديثنا عن المرأة ككيان مستقل وشريك فعّال في حياتنا نحن الرجال لا بد لنا من نظرة تاريخية نعود بها الى الوراء في مراحل تاريخية سابقة بتقاسيمها المختلفة ..

ففي العصور القديمة وقبل ظهور الديانات الرسمية (السماوية) كافة .. كان للمرأة دور حيوي وفعال في مسار الأسرة والقبيلة والقرية في العديد من البلدان والثقافات على إختلاف مشاربها ونشآتها في بلاد الرافدين مثلاً او ما يسمى ما بين النهرين كان للمرأة شأن كبير وعظيم فهي تشارك الرجل في العديد من المهام الحياتية المعاشية ليس أقله تربية الأولاد بل كان لها دور اقتصادي في عملية الزراعة والحصاد وتربية الماشية بعد أن تعلم الإنسان تدجينها وتسخيرها لمصلحته ..

كما دخلت معترك القنص والصيد في فترات زمنية أسبق فكانت تأخذ دورها في حماية أفراد الأسرة والقبيلة وتأمين الغذاء والقوت اليومي إضافة الى دورها الحيوي الملهم في الميثيولوجيا والفلسفة بشكل عام حتى وصلت مكانتها الى إعتبارها آلهة في ثقافات وديانات الشرق الأوسط القديم في بلاد ما بين النهرين فهي ربّة الخصب والجمال ( كعشتاروت وإنانا وعناة ..) وغيرها وفي الوجه المقابل هي ربّة الموت والعالم السفلي ( أركيشيجال ) .. وغيرها

وهذا ما استقته الحضارة الإغريقية والرومانية عن سابقتها الشرق أوسطية في محاكاة تقليدية لدور المرأة ومكانتها العليا في الثقافة والأدب والميثيولوجيا الشعبية فنراها آلهة الجمال والأنوثة والخصب والحب كفينوس وأفروديت وغيرها من التسميات .. وأيضا في المجتمع المصري الفرعوني القديم في بلاد الكنانة كانت المرأة تتبوأ مكانة كبيرة وسامية فهي وصلت الى درجة تقديسها وتنصيبها كملكة (كنفرتيتي ) وشريكة للرجل في المهام السياسية والسماوية كالأله إيزيس العذراء وتسميات أخرى كثيرة ..

إن لتلك النظرة والمكانة التي اكتسبتها المرأة في تلك البلاد وغيرها كان لها دلالاتها وأسبابها الموضوعية وظروف نشأت ونضجت في تلك البلاد والقرى التي وصلت الى درجة من الوعي الإنساني والتطور الأدبي والمعرفي المدني ( في تلك الحقبة التاريخية ) انعكس بذلك على مكانة المرأة ودورها في المجتمع والحياة ومعانيها المتنوعة والمتشعبة ..

لكن في المقابل اذا كنا منصفين في طروحاتنا لا بد لنا من أن نتناول الأمر من الجانب الأخر ففي مناطق وبقاع أخرى من الجغرافيا الأرضية كان الوضع مختلفاً تماماً .. لن نبتعد كثيراً جغرافياً ومناطقياً .

سنذهب في جولة الى قلب الصحراء وتحديداً الى شبه جزيرة العرب ..؟

فالذي كان يحدث هنالك كان انعكاساً للطبيعة القاسية والواقع البيئي والتركيبة الإجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر فالمجتمع البدوي الصحراوي اذا جاز لنا أن نسميه كمجتمع هو تجمعات قبلية وعشائرية كانت تمتهن الصيد والقنص والغزو بحكم ترحالها وبحثها عن الغذاء والماء لذلك فهي معرضة للاخطار من كل حدب وصوب وهذا من انعكس على النظرة الدونية والسلبية للمرأة بشكل عام حيث كانت تعتبر عاملاً سلبياً وعبئاً على أفراد القبيلة فهي حقيقة لا تستطيع القتال والحرب والغزو مثل الرجل ومن جهة أخرى هي فريسة وهدف فهي معرضة للسبي والخطف والإسترقاق من قبل الغزاة ورجال القبائل الأخرين ..!

وقد ساد هذا المفهوم والنظرة الدونية للمرأة فترة طويلة من الشتات العربي تحديداً وقد نتج عن ذلك عدة ممارسات كانت تُلاحق وتُحاصر المرأة بها ويكاد أشهرها يكون هو الوأد الجسدي حيث أن أي رب أسرة يرزق بمولود انثى وكأن غضب السماء قد حلّ على رأسه لأنها بالنهاية مصيبة ستجلب له الخزي والعار بإعتبارها عنصراً ضعيفاً وهدفاً ولقمة سائغة لأفواه كثيرة جائعة ومتعطشة ..!

وأيضا في الكثير من المناطق والبقع الجغرافية ذات الطبيعة القاسية والتي يعتمد أهلها على على الغزو والقنص وحتى الرعي كانت تلك الأفكار سائدة في لاوعي القبيلة لأن الترحال والتنقل الدائم سيعرض صاحبه للأخطار والمفاجئات الغير سارة في كل لحظة وكل مكان على عكس الإستقرار الذي انتهجه الحضر المستقرون فالإستقرار يوفر الأمان نوعاً ما والبيئة الجغرافية والإجتماعية الصالحة لنشوء العلاقات السليمة والسوية وهو بدوره ما سيفرز وعياً جمعياً... فكرياً وثقافياً سيترجم لاحقاً في صدور تعاليم وأعراف وسلوكيات وأدبيات وحتى .. ديانات .. تعكس وجهة النظر الى المرأة ومكانتها في المجتمع بعد أن سادت فيه الثقافة الذكورية  ( ولا أدل على ذلك من مكانة عشتار ربّة الخصب في ديانات الشرق الأوسط ) ..

على عكس الطبيعة الصحراوية القاحلة القاسية وبيئتها المتردية المتنقلة والتي ستعكس نظرة دونية للمرأة ستتوج بالطريقة التي ستعامل بها المرأة لاحقاً في المجتمع البدوي الصحراوي وأدبياته وحتى دياناته ..

وهنا لا بد لنا من التطرق الى نظرة الديانات للمرأة ومدى المكانة التي تتبوأها فيها سنلاحظ وبشكل مستفز أن تلك النظرة الدونية التي كانت سائدة في فترة ما قبل ظهور الديانات الصحراوية السماوية قد استمرت بين ثناياها ( على عكس ما يُشاع او يقال ) مع بعض التجميل والترقيع الرديء هنا وهناك ..!

فالثقافة والديانة الإبراهيمية وهي أولى الديانات الرسمية ( اليهودية ) والتي نشأت في بيئة رعوية جبلية وصحراوية نوعاً ما قد ساهمت في تشكيل نظرة دونية الى المرأة بغض النظر عن موقعها ومكانتها ومساهماتها وحتى من قبل الدستور اليهودي المسمى ( التوراة ) والذي ما هو إلا امتداد للشتات اليهودي والسبي الذي تعرضوا له من قبل البابليين والأشوريين في فترات متلاحقة .. فنرى في عدة أيات وأسفار من كتابهم المقدس هذه النظرة الدونية والسلبية ومنها هذا النص :

( فوَجدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها،أمَّا الخاطئْ فيعلَقُ بها  ) سفر الجامعة - الأصحاح \ 26
( لكِنْ كما تغدُرُ المرأةُ الخائِنةُ بِزَوجها، كذلِكَ غَدَرْتُم بي يا بَيتَ إِسرائيلَ ) سفرأراميا - الأصحاح  \20 .. وغيرها العديد ...

وأيضاً في الديانة المسيحية الوريثة الشرعية القسرية لليهودية ورغم ما حملته من تعاليم سمحة ومسالمة الى حد ما إلا أنها لم تتخلص من تلك العقدة والمسماة المرأة لأنها بالمحصلة امتداد للثقافة اليهودية الإبراهيمية الأم ... فالديانة المسيحية كرّست مفهوم الإله الذكر الرجل بشخص المسيح وتلامذته ( كإنعكاس لإله الشمس الذكر في ثقافات أقدم ).. بتصرف .. وأنزلت المرأة الإله عن عرشها الذي كان سائداً في منطقة بلاد الرافدين بعد أن أعاد المرأة الى وكرها وجحرها ...

فنقرأ في العديد من الأيات والمقاطع من كتاب المسيحيين المقدس ( الإنجيل ) ما يُرينا حقيقة تبعية المرأة وخضوعها لمنطق القوة والذكورة .. ومنها هذا النص :
( فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل .. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها )    كورنثوس الأولى الأصحاح 11\ 7 ..

( أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة ) الإنجيل -  أفسس الأصحاح  - 5    22\24
(لتصمت نساؤكم في الكنائس. إلا إنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمنَ، بل يخضعنَ كما يقول الناموس أيضاً. لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن بالبيت .. )  كورنثوس الأولى الأصحاح  14\34 ... وغيرها العديد أيضاً ..!!

وأما الديانة الإسلامية والتي يُسوق لها مروجوها بأنها النور الذي أزاح ظلام البسيطة في كل أمور الحياة وتحديداً في قضية المرأة والذي خلصها من الوأد الجسدي الذي كان يمارس عليها من قبل العقلية البدوية الصحراوية لذكور الصحراء وأشاوسها ..
هذا ما قد يبدو للوهلة الاولى ..؟ لكن هناك شيء ما وراء الأكمة .. كما يقال ..! ..إن نظرة فاحصة متأنية للمكانة الدونية التي إحتلتها المرأة في الديانة الإسلامية سيلاحظ بأن لا جديد تحت ضوء الشمس ..

لا تستغرب هذا الحكم او النتيجة عزيزي القارىء .. صحيح أن الإسلام قد حررها وأنقذها من الوأد الجسدي لكنه بالمقابل قد أوقعها وأودعها رهينة في زنزانة أخرى وهو طريقها المحتوم الى ( الوأد النفسي ) بكل صراحة .!!

فالمرأة في الأدبيات الإسلامية مازالت تعامل كسلعة ومتاع من الأمتعة التي يمتلكها الرجل فيبقيها او يطلقها متى يشاء وهذه النظرة بدورها هي أحد أسباب نشوء فكرة الحجاب عند المسلمين باعتبار المرأة شيء يمتلكه الرجل فبالتالي هي ملكية خاصة ويجب أن تغطى وتغلّف حتى لا تكون عرضة للسرقة والسبي والإنتهاك وهذه النقطة تحديداً هي امتداد لتلك الفكرة البدوية الصحراوية والنظرة التي كان ينظر بها الى المرأة قبل الإسلام ..

نقرأ في بعض الأيات من كتاب ودستور المسلمين المقدس والمسمى ( القرأن ) ليتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الاسود ....ومنها هذه النصوص : 
( زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ) آل عمران  \14

(..واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع ... واضربوهنّ .. ) سورة النساء - آية \ 34 .. وغيرها الكثير ..!

وبعد كل ما ذكرناه نرى بأن المرأة لم تتخلص من الوأد الجسدي الذي يمارس لمرة واحدة وينتهي .. لكنها بحكم السلوكيات والعادات والنظرة الدينية المريضة والدونية التي ينظر لها فهي تتعرض بذلك للوأد النفسي والقتل المعنوي مئات المرات خلال مسيرة حياتها ..؟
قد يكون القتل لمرة واحدة جريمة بكل المقاييس لكن القتل الطويل والمستمر والممنهج والمكرر لهو بالمحصلة جريمة الجرائم وكارثة الكوارث بكل القواميس الإنسانية والحضارية ..

إن نظرة واحدة على شريعة حقوق الإنسان سيعطينا فكرة واضحة على النظرة السليمة والصحية التي ينظر فيها الى المرأة فهي انسان وكيان مستقل كمثيله الرجل .. نقرا هذا النص : ( المادة 2 ) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان :

( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. )

إن تلك النظرة التي توصلت إليها البلدان المتمدنة ما كانت إلا نتاج نضال طويل وشاق ومرير ولم يكن معبداً بل كان مليئاً بالمطبات والحفر لكن في النهاية تم الوصول إليها في الكثير من البلدان والأمم وخاصة بعد أن طبقت وانتهجت مبدأ العلمانية كأسلوب عمل وفكر ومنهج ومبدأ سياسي واجتماعي ( أي فصل الدين والذي يميز المرأة ويصمها بوصمة العار والدونية ).. عن الحياة العامة للدولة للمجتمع ..

علينا الإستفادة من تجارب الأخرين قدر الإمكان للتخلص من الأمراض والآفات المجتمعية التي تعيق حركة التنمية البشرية والنمو الإقتصادي والإجتماعي في بلداننا ومناطقنا وأول درجة في سلم الصعود والإرتقاء هو تطبيق مبدأ .. العلمانية في دساتيرنا ومناهجنا لتنعكس على سلوكياتنا وتفكيرنا عندها سنكف عن وأد المرأة نفسياً واجتماعياً ... وأدبياً لنعيد لها مكانة تليق بها وبنا ..

بالمحصلة إن تحرير المرأة اجتماعياً وأخلاقياً ومعرفياً وثقافياً سينعكس على تحرير المجتمع ككل بكافة أفراده وأبناءه في مختلف نواحي الحياة وهو الإستثمار الرابح بكل المقاييس الإستراتيجية وحتى الإنسانية ..

اللاذقية في 29\1\2016


بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com

     

الجمعة، 15 يناير 2016

قانون الدولة ..أم دولة القانون ..؟

بغض النظر عن التعريف الحقوقي والأكاديمي والإصطلاحي للقانون بشكل عام نرى العديد من التعريفات والإجتهادات التي حددت ملامح القانون وقوامه ووظيفته ويمكن تلخيصها وإجمالها بالتعريف الشامل التالي :

القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...

فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..

ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!

ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم

وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .

وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟

لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..

إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟

إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..

إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..

لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...

ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!

فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..

فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!

فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..

هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.

صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات)..  لحاضرنا ومستقبلنا .

اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..

لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي)  ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .

فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...


اللاذقية بتاريخ 24\9\2015


بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com