الجمعة، 24 أكتوبر 2014

غريزة القطيع... تناديكم فلا تُصغو..!!

في عالمنا هذا ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ورغم التقدم الهائل في وسائل الإتصال والتقانة والعلوم بكافة أشكالها ومسمياتها وما حصل من قفزات هائلة في مجال علوم الفضاء والذرة وتقنيات النانو تكنولوجي والطب والهندسة الوراثية وسبر أغوار الفضاء وصولاً الى المريخ وزحل ... مازالت مجتمعاتنا العربية والشرقية تعاني من آفة العصر برأيي ألا وهي غريزة القطيع .

فعلى الرغم من تطور الحياة الإنسانية وإنتقالها من حياة الغابات والكهوف الى الإستقرار والحياة المدنية بكل أبعادها وتطور مفاهيم الحرية وإحترام الشخصية الفردية للإنسان وتمايزها عن غيرها كنتيجة لتطور العقل البشري والعلوم الإنسانية وما تبعها من نشوء للملكية الخاصة من ملكية شخصية وأدبية وفكرية .. فلا زال أغلبية أفراد مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية تحديداً تعاني من هذه الظاهرة السلبية في تسلطها على حياة الفرد والمجتمع ..!!
لقد ساهمت عدة عوامل وأسباب في إستمرار تغلغل هذه الظاهرة السلبية بكافة أبعادها وممارساتها على الصعيد الفردي والعام في المجتمع ومنها ..

الثقافة الدينية المؤدلجة التي نشأ في جنباتها الأفراد فالتعاليم الدينية التي تم تلقينها للبشر في أيام حياتهم الأولى صنعت منهم وحولتهم الى مجرد أرقام في بوتقة واحدة فتم تكريس مفهوم من خلالها أن من يشذ عنها يعتبر مخطىء ويتم الحكم عليه وكأنه مخالف للطبيعة والمجتمع رغم ما قد يحمله هذا الشخص من أفكار تنويرية للمجتمع والناس ..
فغاب مع هذه الظاهرة إعمال العقل والفكر في الكثير من الأمور التي تعد من تكوين الشخصية الفردية للإنسان وحقه في أن يكون متفرداً ومتميزاً عن غالبية أقرانه لتتجلى بذلك ظواهر كالإعتماد على القدر والغيبية في الحكم والتحكم بشؤون الناس وأمور حياتهم .

لتأتي بعدها التربية المنزلية في الأسرة لتكمل تشكيل ظاهرة غريزة القطيع عبر تلقين الأفراد في صغرهم وقبل أن تكتمل عندهم ملكة الوعي والإدراك وحرية الإختيار والتمييز.. بين ما يرغبونه وما يود المجتمع أن يتقمصونه ..عبر أحكام وسلوكيات تمنع الفرد من ممارسات عديدة بحجة أنها معيبة أو مخجلة أو أنها مخالفة للأعراف والتقاليد المتبعة والمتوارثة في المجتمع عبر اللاوعي الجمعي ويتم بذلك قتل روح الأبداع والمبادرة لدى الشخصية الناشئة في وعي الشخص وشيئاً فشيئاً تخبو الأفكار الإبداعية في لا وعي الإنسان بشكل تدريجي .

فكل تصرف أو كلام يخرج عن ما هو مألوف أو متعارف عليه هو إما عيب أو حرام وبالتالي فهو مرفوض ومشجوب لأنه لا ينطبق أو يتوافق مع ما نشأنا وتربينا عليه وبهذا وبدون أدنى شك نقوم بزرع غريزة القطيع في لا وعي الفرد ليبقى رقماً من مجموعة أرقام همها هو أن تراقب سلوكها وفكرها بحيث أنه لا يتجرأ على الخروج عما هو متعارف عليه حتى لو كان هذا المألوف متخلف وسلوك غير متمدن ..

وبتعاقب سنوات العمر يتحول الشخص الذي يحمل بذرة الإبداع فينا الى مجرد نسخة فوتوكوبي عن أجياله السابقة بالمقارنة مع أبناء جيله من مجتمعات غربية أخرى في نمط التفكير والسلوك الإنساني ويعتقد بأنه على صواب وما عداه هو الخطأ أو مخالف للطبيعة والحضارة البشرية .؟!

وتواصل هذه الظاهرة زحفها وتوغلها في كافة الميادين فعلى صعيد المحاكمة العقلية نلاحظ بأن السواد الأعظم من الناس تطلق حكماً على شخص ما أو ظاهرة ما بشكل غرائزي وأنفعالي ومن دون أدنى محاكمة عقلية لنتاج ذلك الشخص وجوهر أفكاره ومدى مساهمتها في إغناء وإثراء الحياة العامة سواء على صعيد المستوى الفكري أو الإجتماعي أو السياسي والإقتصادي ..

فعندما يطرح شخص ما يستخدم عقله لفكر إصلاحي عبر برامج عمل على صعيد السياسة والمجتمع يسعى من ورائها لتطوير وضع المجتمع والإنسان تتصدى له الأغلبية وتتعالى الأبواق بأصواتها الناشزة من كل حدب وصوب لتصب لعناتها على هذا الشخص من قبل أن تتعمق في جوهر طروحاته لترى أهي منتجة أم لا وهذا لكون الأغلبية لم تعتد أو تمارس في سلوكها وفكرها حرية الإعتقاد وإحترام الإختلاف والتمايز كنتيجة للقمع الديني أو السياسي الذي لطالما عانت منه هي طوال سنين حياتها والذي غزى غريزة القطيع تلك وصقل جنباتها ..

لتواصل هذه الظاهرة السلبية زحفها وصولاً الى منابر الإعلام في مجتمعاتنا وتعمل على وأد كل صوت إصلاحي ينادي بالتغيير السلمي العقلاني لمصلحة المجتمع والامة فتسري حمى هستيرية من قبل الجوقة المصقولة لتشن جام غضبها على كل ظاهرة متفردة تراها شاذة وغريبة عن قطيعها المروّض تحاول أن تجد مخرجاً لوضعنا الإنساني الكارثي المتردي الذي وصلنا إليه بشكل فظيع .

لقد حلت هذه الظاهرة ضيفاً ثقيلاً علينا وإستقرت في لاوعينا رغماً عن إرادتنا الحرة المسلوبة حتى بتنا معها كالروبوت الآلي الذي يمشي ويتحرك وفق برنامج تحميل مسبق تم برمجة أدمغتنا عليها من دون أدنى معارضة أو تدخّل من قبل ذواتنا
فنحن نأكل ونشرب ونتنفس ونتكلم ونفكر ونغضب ونفرح ونستاء كما يريد الاخرون والمجتمع أو الظاهرة العامة الإنفعالية حتى أن هذه الظاهرة تسللت الى حواسيبنا وممتلكاتنا الشخصية وحساباتنا الإلكترونية فأصبح غالبيتنا يتبنى منطق وفكر الجماعة من دون أدنى حس بالمسؤولية وروح المبادرة والإبداع ..!!

فأصبحنا نعيش إزدواجية الشخصية حتى في حياتنا التفاعلية على الشبكة العنكبوتية فكم من المشاركات والتعليقات التي نقوم بتبنيها بغرض إرضاء غرورنا وأنانيتنا التي تربينا عليها نتيجة لتلك الظاهرة .. فقط لنري الاخرين أننا لا نختلف معهم أو عنهم وكأن الإختلاف عار وخزي أو اكبر الكبائر ؟؟

في المحصلة وبرأيي المتواضع لا بد لنا من إعادة النظر في جملة معارفنا وموروثاتنا وفي نظرتنا للمجتمع والاخرين وهذه مسؤولية تقع على عاتق الأسرة والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والأعلام الحقيقي المبدع في الرؤى لتصويب وتصحيح المعتقدات ومبدأ تبني الأفكار المسبّقة عما نجهله أو لا نستوعبه أو ما يخالف ما نشأنا عليه وهذا يلقي التحدي الأكبر على عاتق مؤسسات ودوائر صنع القرار في الدولة والمجتمع لتكريس مفهوم الحرية بما فيها حرية الرأي والإعتقاد وحق الشخص في التفرد والتمايز والإختلاف طالما يؤدي الى خلق مناخ من التنافسية وروح الإبداع والإقدام ينعكس بدوره على المجتمع والفرد بتحريك عجلة الحياة الاجتماعية نحو مجتمع حيوي مدني ديناميكي متطور يقاس فيه تقدمنا وتطورنا بالأفعال ومدى إنتاجيتنا ومشاركتنا في صنع الأفكار والطروحات والرؤى الخلاقة للمجتمع والإنسان وللبشرية جمعاء في كل زمان ومكان ..
فهي الصناعة والإستثمار الحقيقي .. صناعة الإنسان ...


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com


   https://plus.google.com/u/0/101994558326112312008/about
https://plus.google.com/u/0/b/108194967624983296938/108194967624983296938/posts

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق