الجمعة، 5 سبتمبر 2014

الدين لله والوطن للجميع .. ولكن ..!!

قبل النظر والتمحيص والتدقيق بهذه المقولة الخلبية والصورية اذا جاز لنا التعبير والتي لطالما تم حشوها في رؤوسنا منذ نعومة أظفارنا ونحن نرددها كالببغاوات من دون أن نجد لها تطبيقاً عملياً على أرض الواقع ..

فبنظرة فاحصة للواقع المعاشي والحياتي والتفاصيل اليومية الروتينية المملة لحياتنا البشرية ومدى تفاعلها مع المجتمع والحياة السياسية والإقتصادية في هذا البلد او ذاك نلاحظ أول الأمر بأن الدين أصبح صناعة وتجارة وبضاعة رابحة بكل ما للكلمة من معنى ومقاييس ومعايير.

فتجار الدين والدنيا كانوا وما زالوا يتسلطون على رقاب العباد والبلاد وبدعم وتسهيلات من قبل السلطة الحاكمة كيفما كان شكلها او تركيبتها السياسية ... !!! فهم يوزعون صكوك التوبة والغفران وحتى الخطيئة على كل من هب ودب على وجه هذه البسيطة بمعزل عن الأخلاق والمعايير الإنسانية او الإجتماعية فالمعيار الأول والأهم بالنسبة لهؤلاء هو المكانة الإجتماعية والمادية ومقدار ما يمكن أن يغتنموه من هذا السيد او ذاك ..

فالفتاوى جاهزة ومعلبة في كل وقت وزمان لكل من يريد ويكون حاضراً ومتأهباً للدفع وبكافة الأسعار والعروض ...
أما أنت أيها الشعب المسكين السليب فما عليك إلا الإستكانة والصبر على شدائد الأمور وعظائم الثغور وكيف لا ولك الجنة الموعودة والمرصودة بما لها وعليها .. في حال وجودها ما أمكن ..؟؟

فالحق والباطل والحلال والحرام متغير بحسب المصالح والإمكانيات .. والقدر قد تم تفصيله على مقاس كبار القوم وسادتهم ..يا لها من رواية ساذجة خرقاء وسخيفة تم دسها في غفلة من الزمن العتيق تلك التي تجعل لحفنة من الجهلة والمتملقين والوصوليين الإنتهازيين من أن تقوم بلعب دور الوصي والقيم على مقدرات الناس وأمالهم وتطلعاتهم وأحلامهم ... وحتى كوابيسهم ..!!

تلك الحفنة التي لطالما إعتادت وتربت وترعرعت على الإقتتات من دماء البشر وأرزاقهم ومواردهم .. وا عجبي .. استيقظوا أيها الناس وعوا .. لا تتركوا أنفسكم مستلبين ومرتهنين لحفنة تم تسليطها وتسلطها على حياتكم وقراراتكم ..

أما تكملة المقولة والتي يتم عزفها وإنشادها كل صباح على مسامعنا بلحن يكاد ينفر منه حتى النشاز ألا وهي أن الوطن للجميع من قبل أبواق وطبول الطبقة الحاكمة في البلاد .. وهنا لا أتمالك نفسي من الضحك والقهقهة بصوت عالي ... اعذروني ..
فذلك هو المضحك المبكي في آن معاً ..!!

ذلك أن الأوطان والبلدان حتى ينطبق عليها هذا المعيار او المقياس كحالة إجتماعية و سياسية لا بد أن تعكس مدى فعالية ومساهمة الناس والشعب في مجمل فعاليات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وذلك عبر المشاركة الحقيقية والفعّالة والجادة في صنع القرار ورسم مستقبل البلاد والعباد ..

لا تتعجل الحكم او الملل او التهكم عزيزي القارىء فبنظرة سريعة وفاحصة على الحال والواقع في بلادنا نلاحظ أن الأمور في غير نصابها ومكانها الطبيعي فالوطن هو ملك أيضاً لحفنة من الإنتهازيين الفاسدين والإقتصاديين الجشعين والذين يديرون دفته في الخفاء ومن وراء الستارة ..؟؟

فما الحكومات او الهيئات المنتخبة إلا حالة مشوهة وطفيلية وعرضية في الواقع السياسي والإجتماعي فما يتم إتخاذه من قرارات وسياسات عامة وخاصة صادرة عن تلك الحكومات المصطنعة ما هو إلا في صالح الفئة القليلة من طبقة التجار والمرابين الإقتصاديين والصيرفيين وتكتلات أصحاب المصالح العفنة في بلادنا التي عاث فيها الفساد والجهل والتخلف الممنهج والمرسوم وأكل عليها الدهر وشرب .

كيف لا وهم المتحكمون بمفاصل الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بكل الأبعاد فهم صنّاع القرار الحقيقيون عبر التاريخ الأليم والمشوه .. الممزق والمنمق والمزيّن بعبارات وشعارات وجمل جوفاء تخاطب غرائز وعواطف الشعب المقهور والمقموع المغلوب على أمره .

لا تتفاجىء عزيزي القارىء لطالما كانت الحقيقة صادمة ومؤلمة ووضيعة قياسا ًبمعاييرنا وأحكامنا وتطلعاتنا وأخلاقنا .
فالوطن والبلد الذي لا يعير إهتماماً لتطلعات ومتطلبات وآمال شعبه وحقوقه المشروعة والمحقة والتي تتقاذفها السنوات والمؤتمرات والهيئات واللجان العقيمة لا يمكن أن يكون ملكاً لنا جميعاً .. فالحلول دائماً الى تأجيل او تأزيم ..

الوطن الذي لا تُحترم فيه مقولة الحق والواجب وتقدّر فيه الكفاءات وتوظف فيه المقدرات والإمكانيات وتوزع وتوظف في سبيل خدمة الشعب عامة لا يمكن أن يكون ملكاً لنا إلا على الورق وفي الأناشيد والأغاني أما في الواقع فهو ملك لشرزمة حاكمة قليلة ..!!
وطن تنتهك فيه الأفكار الخلّاقة المبدعة وتُستلب حريات التعبير وتوؤد فيه الكلمة الحرة الصادقة لا يمكن أن يعكس واقعاً صحياً وسليماً...
وطن تباع وتشترى فيه الأخلاق على الأرصفة وفي الحانات وحتى المعلبات .. إنه حالة مشوهة ومعوقة عن التكتل السياسي والإجتماعي لمفهوم الدولة والوطن ..!!

فالأزمات تتكاثر كالجراثيم والمشكلات تتفاقم وتتضخم .. بينما الحلول تضمر وتضمحل فسياسة تأجيج الأزمات وإفتعال المشكلات وتأجيل الحلول ووأدها أصبح شعارنا وسلوكنا اليومي ونهجنا المشوه كسلطة وحكومة وقيادة  ..؟؟

فالفوضى وردود الأفعال هي من يسيّرنا ويوجهنا الى اللامكان الى اللاأمل .. الى اللاحل .. فالوطن أصبح مستلباً وسليباً ومرتهناً لقلة قليلة تضع يدها على معظم مقدراتك وثرواتك أيها الشعب بدون حسيب او رقيب او حتى مجيب لكل تساؤل او شكوى وكلما علا صوت حق هنا وهناك تتصدى له فرقة النشاز من تجار الدين والدنيا بأن الأوان لم يحن بعد وأن هنالك ما هو أهم وأخطر بحجة وأد الفتنة ..

وهل هنالك ما هو أهم من حياة الناس وحقوقهم وآمالهم ..!! الى متى هذه الفوضى العارمة والمنظمة والممنهجة ..
آلا يليق بنا وطن بسيط يشبهنا ويشبه أحلامنا يتساوى فيه الجميع وتُحترم فيه أصوات الجميع على إختلاف توجهاتها ورؤيتها ..أم أن قدرنا هو مارسمه لنا أولاءك الأفاقون المرتزقة والذين يترزقون على دماءنا وعرقنا .

فحتى يكون شعار الدين لله والوطن للجميع فعلاً لا قولاً لا بد من إعادة خلط الأوراق وترتيب البيت الداخلي عبر تفعيل وسائل الديمقراطية الحقيقية وذلك بتكريس مفهوم العلمانية منهجاً وأسلوب تفكير وحياة ابتداءاً بالمؤسسات التعليمية وانتهاءاً بالتشريعات والدساتير وتفعيل هيئات المجتمع المدني وإعطاءها دوراً رقابياً وفعّال لمراقبة أعمال وسياسات الحكومات والفعاليات الاقتصادية وربطها بمؤسسات إعلامية وصحافية مستقلة وجهات قضائية ورقابية وتفتيشية ليكون الشعب رقيباً على أعمال موظفيه في الحكومة والسلطة  ..

وهذا بدوره سينعكس على تطلعات الشعب وآماله وبمرور الوقت سينتج ويفرز نخبا حاكمة حقيقية من ضمير الشعب ووجدانه وأن يكون المواطن هو البوصلة والرقيب على أعمال حكًامه وحكوماته بشكل حقيقي لمحاسبة كل مقصر ومخرب ومسيء بحق الشعب وحقوقه كافة ...
فالشعب وحقوقه وحرياته أهم من مفاهيم السلطة والسيادة والمصالح الضيقة والخطط الإستراتيجية والأمن العام والخاص لأن تقزيم الشعب وتحجيمه وقتله وهو على قيد الحياة وتهميشه سيفرغ تلك المفاهيم من مضامينها ومعانيها وستكون هنالك حكومات وسلطات تحكم مجرد أشباح وأشباه موتى ..

وحتى ذلك الوقت تصبحون على وطن كما تريدون .. وتشتهون ..


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com        
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق