الجمعة، 12 سبتمبر 2014

تمهل نحن لسنا معلبات ..!!

منذ مدة قريبة وبينما كنت خارجاً من باب القصر العدلي صدفت امامي بقليل محامية زميلة كانت تقوم بالسلام على زميلة أخرى يبدو من هيئتها انها مستجدة ووافدة على عالم المحاماة والقانون بمشاغله وهمومه ويقف الى جانبها رجل مسن تبين لي فيما بعد انه والد الزميلة الجديدة .

كنت سائراً ببطءٍ شديد حين كانت أفكار متناقضة تعصف برأسي المكفهر المشوش وحيث صادف مروري بقربهم عندما كانوا واقفين يتجاذبون أطراف الحديث التقليدي وبعد لحظات قليلة ودعوا بعضهم وتابعت الزميلة الجديدة ووالدها المسير خلفي ووصل الى سمعي هذا الحديث المقتضب الذي دار بين الاب وابنته استاذة القانون ومن دون قصد في إستراق السمع حتى لا ينعتني أحد بالمتلصص او الحشري فتناهت الى مسامعي هذه العبارات بين الاثنين :

سأل الاب ابنته المحامية من هي هذه المحامية التي وقفنا معها وما أسمها ومن أين هي .. او شو هيي كما يقال بالعامية ..!!
الابنة مخاطبة اباها انها زميلة لي وتدعى .. جورجيت .. او جوزيفين .. او مارغريت .. لا أعرف بالضبط ولكني أعلم انها من إخواننا المسيحيين ..
الوالد مجيبا بفهلوة وحذاقة واضحة في صوته .. يبدو هذا واضح من اسمها .. الابنة المحامية مستدركة وكأنها إقترفت ذنباً عظيماً .. ولكنها يا والدي طيبة القلب جدا (وكتير كويسة) كما يقال بالعامية..
بعدها لم أعد اسمع من حديثهم شيء كونهم ابتعدوا عني وبسبب الضجيج والإزدحام وأصوات السيارات والمارة لذلك فقد إنقطع ذلك الحديث العتيد..؟؟

بعدها ولدى عودتي الى مكتبي أخذت افكر بذلك الحديث الذي دار بين الاب وابنته المحامية .. ودارت في خاطري العديد من التساؤلات والاستهجانات .. أبعد كل هذه الاحداث وهذا الخراب الذي حل ببلدنا وأمتنا وما زال هنالك الكثيرين ممن يتحدثون بهذه العقلية والذهنية المتردية ..!!!

مازال تصنيف الناس وتعليبهم ضمن معلبات مزروعاً في لاوعينا وثقافتنا الهزيلة الضحلة مازلنا نتحدث بلغة طائفية عند الاشارة الى شخص ما ونقوم بتقييمه بناءاً على عقيدته وطائفته وما الى ذلك من تبعات أخرى وخاصة من أشخاص متعلمين يفترض فيهم الوعي والادراك ..

آلم يحن الوقت للتخلص من تلك الرواسب التي زرعها حكماء بني صهيون منذ مئات السنين والتي لطالما كانت سبباً في خراب أي بلد وأي أمة .. ان تلك الثقافة المشوهة التي ورثناها في جيناتنا ولاوعينا الجمعي ما تزال ضيفاً ثقيل الظل يحل قابعاً في ذاكرتنا السوداوية فلا زال الكثير منا عند لقاءه شخص ولأول مرة يبادره بالسؤال التقليدي في مجتمعاتنا المتخلفة الا وهو .. من اين انت .؟؟!! والذي يحمل في طياته ذلك السؤال المبطن (ما هي طائفتك) وبماذا تدين او تؤمن.. ببوذا او كريشنا ام اهورامازدا .. يهوه ام المسيح ام إله الإسلام ..

ان هذا الاسلوب في التعاطي مع بعضنا البعض يكرس لتلك الطائفية البغيضة ويغذيها الى أبعد حد فما لنا ولأولاءك الاخرين ومعتقداتهم وألهتهم طالما هم أشخاص طيبوب واخلاقيون .

فنحن بهكذا تصرفات وسلوكيات نصنع سداً منيعاً في وجه التواصل بين البشر على أساس إنتمائهم الديني لا على اساس ما يحملونه من فكر واخلاق ووعي اجتماعي فلا بد ان نكون أكثر وعياً وانفتاحاً على الآخر الذي يشاركنا هذه البقعة من الارض طالما انه يحترمنا انسانياً وإجتماعياً بغض النظر عن معتقداته وميوله طالما أنها لا تؤذينا وتقيد من رأينا وسلوكنا علينا ان لا ندع عقولنا رهينة ولعبة يتم العبث بها من قبل اصحاب المصالح الخبيثة والسوداوية والتي سادت في فترات الاستبداد والقمع الفكري والسياسي الذي لعب دورا وعاملا مساعدا في التفرقة الطائفية وتغذيتها سعياً وراء تكريس حكمه وخدمة مقصودة او غير مقصودة لحكام العالم الخفي ..

فالانسان منا يولد ويرث مجموعة من الصفات الوراثية والجسمانية والسيكولوجية لا يد له فيها ومن ضمن ما يتلقاه او يرثه بالتبعية هو عقيدته وصبغته الدينية التي لا يد له فيها أيضاً فيحملها تبعاً لدين آباءه وأسرته وبالتالي فهو شخص متلقي لم يكن له حرية الإختيار .. كما أنت عزيزي القارىء.. في قبول او رفض ذلك في مراحل عمره المبكرة ولذلك لا يمكن محاسبته على أمر لا إرادة او خيار له فيه لا من قريب او بعيد .. فقط يمكن محاسبة الشخص على سلوكه الاجتماعي والانساني في علاقته مع الأخرين او مع السلطات الحاكمة في البلاد .

ان تلك النظرة الضيقة والمغلقة في التعاطي مع الأمور والأشخاص لا يكرس لبناء مجتمع مدني ووطني حقيقي متماسك ..فإذا استمرت هذه النظرة او الثقافة المشوهة في لاوعي الاجيال اللاحقة والمتعاقبة لن تكون عاملاً إيجابياً ومساهماً في تقدم المجتمع والأمة بل على العكس ستكون عاملاً سلبياً في تأخرنا وتراجعنا الى الوراء .

لذلك فعلينا نحن كأفراد ومجتمع ولجان حقوق إنسان ومجتمع مدني وحتى هيئات حكومية ومؤسساتية العمل معا وبخندق واحد عبر ندوات ومحاضرات وعبر وسائل إعلام وصحافة لتكريس مفهوم الحس الوطني والأخلاقي للمجتمع ككل ليكون الولاء للوطن قبل الطائفة والعشيرة وهذا يتطلب إجراءً قوياً وحاسماً وذلك عبر إلغاء كل ما يشير الى طائفة الشخص في كل أدبيات ودساتير البلاد وقيود السجلات المدنية يجب نزع ما يسمى بحقل وخانة الدين والمذهب وكل ما يشير الى طائفة الفرد ولو تعارض ذلك مع القواعد الدينية وما الى ذلك.. لأن الإنسان أهم ما في الوجود فهو يعلو ولا يُعلا عليه ..

حان الوقت ليعامل فيه الشخص بحسب سلوكه والتزامه القانوني والاخلاقي وبغض النظر عن خلفيته الدينية او الإثنية ولندع تلك الأحكام المسبقة وراء ظهورنا وليكن لكل منا الحق في الإعتقاد او الإيمان او الإلحاد والإختلاف على اعتبار أنه شأن خاص وداخلي يمس الشخص وحده .

وفي الختام لا بد من الإشارة الى أننا لسنا ضد أي شخص او أي معتقد او طائفة .. فهذا الإعتقاد والإيمان من عدمه شأن خاص بالفرد ومن هذا المنطلق لا يجب تعميمه على الأخرين بالقوة والغصب فالمهم هو إلتزام الشخص بالقواعد العامة والأنظمة والقوانين واحترامه للأخرين بكل اختلافاتهم وتناقضاتهم الواقعية ..



بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com        
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق