الجمعة، 15 يناير 2016

قانون الدولة ..أم دولة القانون ..؟

بغض النظر عن التعريف الحقوقي والأكاديمي والإصطلاحي للقانون بشكل عام نرى العديد من التعريفات والإجتهادات التي حددت ملامح القانون وقوامه ووظيفته ويمكن تلخيصها وإجمالها بالتعريف الشامل التالي :

القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...

فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..

ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!

ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم

وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .

وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟

لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..

إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟

إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..

إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..

لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...

ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!

فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..

فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!

فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..

هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.

صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات)..  لحاضرنا ومستقبلنا .

اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..

لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي)  ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .

فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...


اللاذقية بتاريخ 24\9\2015


بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
 
 

الأحد، 2 أغسطس 2015

آن لعصر السوبرمان أن ينتهي ..!!

بالنظر الى طريقة وأسلوب عمل أي مؤسسة او دائرة او وزارة في القطاع الإداري والخدمي او حتى الجسم السياسي سيستوقفنا أمر قد يبدو عادياً للبعض او للكثيرين لكن بالنظر الى جذوره سيبدو خطيراً وتأثيره غالباً ما سيكون سبباً للإنتكاس والتراجع على المدى البعيد ..
إنه أيها السادة ظاهرة السوبرمان .. تلك الظاهرة القديمة والتي تعود في جذورها الى عصور ما قبل التاريخ المتمدن وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحاكمية الإلهية وعالم الغيب إنه ذلك المخلّص الذي لطالما انتظرته او صنعته الكثير من الشعوب والقوميات في أدبياتها وتراثها ودياناتها السائدة والبائدة ..

وهو ذلك الشخص الحكيم الحليم واسع الإطلاع وذو النظرة الثاقبة الذي يُعتمد عليه في كافة مجالات الحياة للإنتقال بالشعب والناس من عصور الهزيمة والإنحطاط الى عصور التنوير والإنتصارات ...!

إنني أتحدث هنا عن الشخص الفرد وبغض النظر عن موقعه او مكانته كحاكم او مُلهم او مشرّع او حتى أب روحي ..
لقد إرتبطت فكرة الإنسان المخلّص والقائد والحكيم في وجدان وثقافات الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية والشرقية خاصة بسبب إعتناقها لفكرة الدين كسبب من أسباب نشوء الحياة وظهورها على سطح هذه البسيطة ( طبعاً ولا نكاد ننسى ظاهرة الفرد الحاكم الإله التي ظهرت في بلدان كانت أقرب الى الوجودية منها الى التدين ولكنها في جوهرها استبدلت حاكمية الفرد الإله بشخصية الفرد الديكتاتور الشمولي بسبب إعتناقها لأيديولوجيات شمولية لا تعترف بالفكر الأخر فكانت أن جسدت نفس الأفة وإنزلقت لنفس المعترك ..) ..

وهذا الخلط أدى الى انتكاسة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة .. فشخصية الرجل المُرسل من السماء سواء أكان أباً روحياً أم رسولاً او ما الى ذلك من تسميات لطالما امتزجت بشخصية الحاكم السياسي ورجل الدولة ولو بالمفهوم البسيط والبدائي للكلمة عبر تاريخ ظهور ونُشوء الديانات والتزاوج السياسي الديني لمقاليد الحكم واستمرارها الى زماننا هذا على المستوى الثقافي الفكري  .. وبالتالي انعكست بدورها على بقية شخصيات الحكم والإدارة ...

ومع تطور مفهوم الدولة بشكلها المدني الحالي وبعد مرورها بمراحل القبلية والعشائرية والقروية وأشباه المدن وظهور التعقيدات والإختصاصات في العمل والواجبات هذا ما أدى الى الحاجة لتبلور شكل الدولة بمظهرها الحالي الذي نراها عليه اليوم ..
لكن للأسف إن التطور الحضاري الذي رافق شكل الدولة في بنيتها وهيكلها السياسي والإجتماعي والمدني لم يرافقه تطور ثقافي في الوعي واللاوعي الإنساني الإجتماعي وخاصة العربي منه والإسلامي على وجه الخصوص والتحديد .؟

إن نظرة سريعة على العديد من الدول المدنية في العالم الحديث يعطينا فروقاً واضحة المعالم في شكل وألية عمل وإدارة الدولة ومرافقها على كافة الأصعدة ..

فمفهوم الحاكمية والرجل القائد والمخلّص والمنقذ إختفت وتلاشت من قواميس ودساتير وأدبيات تلك الدول وحتى في الفكر الجمعي لتلك الشعوب والأقوام وذلك إنعكاس لتطورها الفكري الثقافي والحضاري الإنساني والذي واكب التطور المدني والإداري والعمراني على إعتبارأنه مرّ بأزمات وكوارث وإنتكاسات كان لها أثر إيجابي على تبلور فكرة التشاركية في الحكم والإدارة والتداول السياسي والسلمي لإدارة البلاد بمنطق الواجب والمسؤولية ..

إن مفهوم إدارة الحكم والدولة هناك لا يقوم على أساس شخص السوبرمان ذلك الرجل المخلّص والمنقذ الذي سينقذ البلاد والعباد من كافة أزمات الشعب والبشر والحجر سواء السياسية او الإجتماعية او المالية المعاشية .

لأنه كما أشرنا سابقا .. فالمنطق المستخدم في الحكم على الأمور هو منطق التشاركية والتعاونية والخدماتية .. فالعمل الحكومي او الشأن العام او الخدمة هو مسؤولية بالدرجة الأولى وبالتالي كان لزاماً أن تقوم الدولة في بنيتها وإدارتها على منطق التشاركية في الحكم وأيضاً التخطئة والنقد الحقيقي والموضوعي عبر توازنات المعارضة والسلطة إضافة الى التداول الدائم والمستمر لإدارة شؤون البلاد والمحاسبة على كل تقصير وإهمال في حق الناس لتحقيق أفضل خدمة ورفاه للإنسان المواطن .. هكذا تدار البلاد أيها السادة ..!!

وهذا الأمر ( والحديث مازال عن الدول المتقدمة ) ما كان ليحدث او يتم الوصول إليه إلا بعد العديد من الخطوات والأليات وكان أهمها بناء الدولة المدنية العلمانية وذلك بعد فصل الدين والعقيدة عن الحياة المدنية والسياسية للبلاد وبهذا شيئاً فشيئاً اختفت فكرة الرجل السوبرمان المخلّص والمنقذ الذي يحكم بإلهام من السماء السابعة او التاسعة .. والغير قابل للتخطئة رغم ما قد يقترفه من كوارث وأزمات .

بينما في بلداننا العربية والإسلامية تحديداً فالوضع مختلف ومقلوب تماماً .. فالدين والعقيدة والطائفة مازال مسيطراً ومتنطحاً ومتصدياً لكل أمر سواء أكان مدنياً او إقتصادياً وإجتماعياً او سياسياً إبتداءاً من القيد المدني وإنتهاءاً بمصادر التشريع التي تُدار بها البلاد .. ورسم سياسة الدولة العليا وحتى تحديد الأعداء من الأصدقاء ..؟؟

وهذا ما أدى الى استمرار ثقافة السوبرمان في اللاوعي وحتى الوعي الجمعي على الحد السواء بحجة عدم وجود البديل .. طبعاً ليس بالسهولة إيجاد بديل لشخص يحكم بإلهام من السماء ..!!.. فالحل سيكون بتأجيل الأزمات وترحيلها ومراكمتها الى السنوات القادمة ..

إن اي حاكم في بلادنا إبتداءاً من أصغر شخصية إدارية في السلك الخدمي سواء أكان رئيساً للبلدية او محافظاً وإنتهاءاً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة  تتصرف بهذا المنطق والأسلوب لأنها في المحصلة إنعكاس للفكر السائد في البيئة الحاضنة سواء المادية والإجتماعية والجغرافية والثقافية السائدة في الزمان والمكان المحددين ..

فما زال الناس يهلّلون لهذه الظاهرة سواء أكانوا في القطاع الخدمي الوظيفي أم  خارجه .. ولا أدل على ذلك مما نراه حين يتم تعيين أي شخصية عامة ( موظف ) سواء سياسية او إدارية ( كالمحافظ او رئيس البلدية او الوزير .. وهلما جرا ..) فيقال عنه أنه المُنقذ على إعتبار أنه أخلاقي وسمعته تسبقه وبالتالي هو من سيتولى دفة القيادة في المنصب الموكل إليه .. لكن الصدمة والصحوة تأتي متأخرة قليلاً وخاصة بعد أن يفشل هذا المُنقذ او ذاك في مهمته ومسؤولياته الأسطورية السماوية .. فما الذي حصل او سيحصل ..؟؟

أيها السادة لا يكفي أن تكون أخلاقياً او أدمياً  ... كما يقال بالعامية .. حتى تكون بالمحصلة سوبرماناً .. بل ليس مطلوباً منك هذا الدور الذي انتهت صلاحيته .. فالأمر أكثر بساطة من ذلك إنه يحتاج الى عدة شروط وأسباب موضوعية لنجاح أي عمل او مشروع كان ...

في البداية يجب إختيار الأشخاص على أساس الكفاءة والتجدد والرؤية المستديمة لروح الإبداع والمثابرة .. فالطيبة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجُرأة والحزم والقدرة على التطوير ضمن روح الفريق والجماعة وهو أيضاً عامل أخر مهم وحيوي لأن العمل في الشأن العام والخدمي لا يُبنى على سياسة ومنطق إعطاء الأوامر فحسب بل هو عمل جماعي تشاركي في نهاية المطاف لأنه يخدم الصالح العام وبالتالي يجب وضع الأليات والشروط والتعليمات لإزكاء وبناء هذا المفهوم الجوهري في حياتنا العامة ..

علينا بإمتلاك الخطة ..؟

إن تطبيق هذا المبدأ الحيوي والهام في حياتنا العملية والخدماتية يحتاج منّا الى تمهيد وتعبيد الطريق أولاً لأن أي عمل او خطوة او مشروع نسعى لتحقيقه وتنفيذه سواء على المدى القريب او البعيد او الإستراتيجي لن ينجح اذا لم نمتلك الخطة المناسبة والرؤية المناسبة والموضوعية .. والجدية والمستمرة والمتجددة لكل مرحلة نريد خطّها ورسمها وتنفيذها  ..

إن قلب المفاهيم المغلوطة والسائدة في أي مجتمع وتحويلها الى مفاهيم واقعية براغماتية يحتاج الى ثورة تبدأ من الفكر أولاً ..
ففي موضوعنا هذا أول ما نحتاجه لتكريس مفهوم التشاركية وروح العمل الجماعي فعلاً لا قولاً هو تكريس مفهوم الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وهذا لن يتم تحقيقه بالأمنيات بل بخطوات عملية أولها فصل الدين عن مؤسسات الدولة ككل ( فالدولة شخص او كيان إعتباري لا دين له ) وعدم إقحام التشريعات الدينية في حياتنا المدنية وقوانيننا ودساتيرنا لما لها من تأثير سلبي على شكل وأسلوب وهيكلية بناء الدولة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ..

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن إلباس الدولة شخصية ومرجعية دينية سيجعلها ويجعل شخوصها غير قابلين للتخطئة والمُساءلة بإعتبارهم يحكمون بأمر وإلهام  السماء  ..وهذا ما سيزيد الطين بلة ..

إن علمنة الدولة ... وجعلها حاضنة لكل أفراد الشعب يتجلى بإدارتها بعقلية المؤسسات والعمل الجماعي والتشاركي وخضوع أفرادها لسلطة القانون ومؤسسات الدولة الحقوقية والمرجعيات القضائية بكل شفافية مع مواكبة إعلامية شفافة فالكل مسؤول أمام القانون ولا مبرر حين إذ بأن نلقي فشلنا وإخفاقاتنا وإنتكاساتنا على الأقدار والظروف الغامضة والمؤامرات الطارئة ..!!

لا نريد سوبرمانات ومُنقذين مُلهمين أيها السادة في بلداننا .. بل نريد أشخاص عاديين يتميزون بالجُرأة حين وقوع الخطأ والإعتراف به والخضوع للقانون والمُساءلة بقدر جرأتهم في طروحاتهم البنّاءة والتطورية أينما كان موقعهم الخدمي الوظيفي حتى نصل ذات يوم الى مكانة تستحق أن نليق بها وتليق بنا .. ونكون آهلاً لهذا الإستحقاق والإختبار الإنساني  ..


اللاذقية بتاريخ 21\7\2015


بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
 

الخميس، 16 يوليو 2015

وهم الإعجاز

ويقول د. خالد منتصر في هذه الخصوص:
"إن الإعجاز العلمي في القرآن والأحاديث النبوية وهم واكذوبة كبرى يسترزق منها البعض ويجعلون منها بيزنس... من يروجون للإعجاز العلمي لا يحترمون العقل بل بتعاملون معنا كبلهاء ومتخلفين ما علينا إلا ان نفتح افواهنا مندهشين ومسبحين بمعجزاتهم بعد كلامهم الملفوف الغامض الذي يعجب معظم المسلمين بسبب الدونية التي يحسون بها وعقدة النقص التي تتملكهم والفجوة التي ما زالت تتسع بيننا وبين الغرب فلم نعد نملك من متاع الحياة إلا أن نغيظهم بأننا الأجدع والأفضل وأن كل ما ينعمون به وما يعيشون فيه من علوم وتكنولوجيا تحدث عنها قرآننا قبلهم بألف وأربعمائة سنة" .

.. من كتاب وهم الإعجاز العلمي ..

مخابرات .. ولكن ..!!

إن أول من إخترع جهاز المخابرات والتنصت عبر التاريخ البشري وما قبل التاريخ .. هو إله الإسلام فلا يتناجى شخصان إلا وهو يتنصت عليهم .. ربما يقتله الفضول بأحاديث البشر وأخبارهم متناسياً الكون الواسع المترامي الأطراف بمجراته وسدمه وثقوبه وبواخيشه السوداء القاتمة بدليل الأية التالية ..?( ألَمَ ترَ أنَّ اللهَّ يعَلمَ مَا فِي السمَّوَاتِ وَمَا فِي الْارَضِ مَا يكَونُ مِن نجَّوَى ثلَاَثةَ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَأَدْنىَ مِن ذلَكِ وَلاَ أكَثْرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أيَنْ مَا كاَنوُا ثمُّ ينُبَئِّهُم بِماَ عَمِلوُا يوَمَ القْياَمَةِ إنِّ اللهَّ بِكُلِّ شَيءٍ عَليِمٌ?)المجادلة 7
مرحباً بكم في الإعجاز الإسلامي ... شعور رهيب ومخيف هو ذلك الإحساس الذي ينتابك بأن أحداً ما يتلصص ويسترق السمع على كل نفس تتنفسه ..!!
ما عليكم إلا تشغيل أجهزة تشويش او راديو ترانزيستور للتشويش على الذبذبات التي يتم تسجيلها خلسة .. جربوا هذه الطريقة أعزائي لربما تريحكم نفسياً ..؟؟

https://twitter.com/ihab_1975

يوميات مسلم روتينية

على المسلم أن ينطح الأرض بجبهته أربعاً وثلاثين مرة في خمسة أوقات من كل يوم .. اذا أراد أن يكون مسلماً صالحاً في ظاهر الأمر .!!
كم أشفق على أديم الأرض من نطح الرؤوس المتيبسة بعد كل هذه السنين والعقود الطوال .. لو اعملوا رؤوسهم في امور أخرى تنفعهم اكثر لصلحت أحوالهم .. وكفوا بلاهم عن الأخرين

https://twitter.com/ihab_1975

https://plus.google.com/u/0/+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A5%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%851975/posts
تعلمت من الرياضيات، ان لكل مجهول قيمه، فلا تحتقر احد لا تعرفه

وهم .. الثقة المطلقة

حتى ما نراه قد يخدعنا في الكثير من الأحيان .. فالشمس التي نعتقد بأننا نراها لدى النظر الى السماء ( كتعبير مجازي إصطلاحي ) في موقعها هو رؤيا غير دقيقة ومخادعة .. لأن العلم يخبرنا بأن ضوء الشمس يستغرق حتى وصوله الى الأرض حوالي الثمان دقائق لذلك في اللحظة التي ننظر فيها الى الشمس بشكل خاطف نتيجة الضوء الذي ينبه الخلايا البصرية في أعيننا تكون الشمس قد أصبحت في موقع أخر وذلك كنتيجة طبيعية لدوران الأرض عبر مسارها حول الشمس ..؟؟
حتى النظر يخدعنا أحيانا .. فكيف بالسمع وبقية الحواس ...
لذلك علينا أن لا نتعصب ونتشجنج وندافع عن أي موقف أو عقيدة او فكرة مهما كانت مقدسة في نظرنا لأنها في المحصلة ستكون نسبية المنشأ والتوجه والتأثير ... علينا قدر الإمكان أن نكون متوازنين ومعتدلين في طروحاتنا على إختلاف توجهاتها سواء السياسية او الدينية .. الإقتصادية او الإجتماعية لأنها بالمحصلة ستوضع تحت مجهر النقد والتمحيص لتبيان مدى تأثيرها السلبي والإيجابي على حياة الإنسان وحاضره ومستقبلة ..

https://twitter.com/ihab_1975

https://plus.google.com/u/0/+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A5%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%851975/posts

.. معاً نحو بناء الإنسان ..

سلبونا حتى مجرد الجرأة في التفكير بشكل حر ومستقل .. نتيجة الخوف والتهديد الدائم بقطع حتى ذلك الفتات المرمي على قارعة الطرقات والإتهامات الجاهزة للتخوين والعمالة ومناهضة الوطنية والشرعية ..
ومنذ متى كان لنا وطن يشبهنا .. بل إنه وطن يشبه جشعهم واطماعهم وأساليبهم الضبابية السوداوية فلم يكن وطناً للمساواة والحريات واحترام القانون وحقوق الناس المظلومين على حساب الظالمين المستكبرين ..
إنها بقعة جغرافية منسية تتقاذف مستقبلها الأمزجة المتقلبة والمصالح الشخصية والإنتهازية المغلفة بثوب العروبة والنضال الوطني ..؟؟
في الشدائد والأزمات تنطلق جوقات النشاز وسنفونيات الموت الملطخ برائحة القهر لتطالبنا بتقديم دماءنا كقرابين لمصالحهم ونزواتهم ..
لقد إغتالونا ووؤدونا مرات ومرات بوقاحة ووقاحة ما بعدها وقاحة ...
هذه بإختصار إحدى اليوميات المتكررة الروتينية في بلدنا وشرقنا الأوسخ ...
المشكلة ليست بالحروب والإعتداءات والمعارك .. القضية قضية أزمة بين ما هو حقنا الوطني والإنساني والقانوني وبين ما يتم رميه وقذفه إلينا بوقاحة على أنه عطاء او تقدمة او هبة .. فلا هبات وعطايا بين الوطن وأبناءه .. بل قضية وجود
فوجودنا وحرياتنا وعيشنا بكرامة ومساواة وتقدير هو أساس لوجود الوطن .. أي وطن .. وإلا تلك الاوطان لن تكون سوى مستوعبات ومستودعات .. لتفريخ وتعليب أشباه البشر الذين سيولدون كل ما هو مشوه وسوداوي وسلبي ...
تباً لتلك للأوطان التي تبنى على حساب الإنسان ...
.. معاً نحو بناء الإنسان ..

https://plus.google.com/u/0/+%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A5%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%851975/posts

https://twitter.com/ihab_1975

الخميس، 9 يوليو 2015

وهب الأعضاء .. إنه خيارك أنت ..؟

إن الحياة بتفاصيلها سواء الصغيرة منها او الكبيرة لا تعطي لجميع الناس فرصاً متساوية في سُبل العيش المادية والمعنوية .. ولا سيما الجسدية منها ..!

فالكثير منا يولد ويلج الى هذه الحياة وهو يحمل آفات وعلل وأمراض جسدية لا ذنب له في وجودها وحدوثها أقله على الصعيد الروحي والفكري ..؟ .. فالعامل الحاسم في هذا الموضوع هو العامل الوراثي ..

ونتيجة تفاعل البشر مع بعضهم البعض في المجتمع وعبر التاريخ القديم والحديث وظهور التعاطف والألفة والمودة كحاجة إنسانية للإستمرار بالعيش وتطورها الى مسؤولية وواجب أخلاقي وإنساني مروراً بالوازع الديني الروحي ومع تبلور فكرة المساعدة والتضامن والتكافل بين البشر في الأمور المادية المعاشية وتقديم الخدمات والمساعدات نشأت وظهرت فكرة وهب الأعضاء والتبرع بها قبل الموت وبعده ..

ولكن قبل البدء بالحديث عن هذا الموضوع دعونا نتطرق سريعاً لمفهوم وتعريف الموت من وجهة النظر العلمية :
فالموت الدماغي هو الموت الحقيقي وهو الفقدان الكامل لكل وظائف الجهاز العصبي المركزي الذي لا يمكن الإستغناء عنه من أجل البقاء على قيد الحياة وهو موت الفرد من وجهة نظر العلم والقانون والأخلاق وحتى الدين ..

ويتم تشخيص الموت الدماغي بواسطة فحص سريري من قبل أطباء إختصاصيين ويشترط لزاماً لإعتبار المريض ميتاً توافر الشروط التالية مجتمعة :

سُبات وعدم إستجابة لأي حس او تنبيه مؤلم - وجود حالة اللانفس واللاحركة - غياب المنعكسات الرأسية - توسع بؤبؤ العينين - سكون كهربائي تام في تخطيط الدماغ لمدة عشر دقائق على الأقل ...وهذه الحالة تختلف عن الغيبوبة ( الكوما ) والتي يحتفظ فيها المريض ببعض التجاوب والنشاط الكهربائي للدماغ ..

أما عن وهب الأعضاء فهو يعرّف من الناحية العلمية بأنه عملية نقل عضو او أكثر من متبرع حي او ميت الى مستقبِل ليقوم مقام العضو الذي يعاني قصوراً يعوق وظيفته .

وبالتالي فهناك نوعان للواهب واهب حي يمكن أن يهب عضواً مثل ( كلية واحدة - نصف كبد - نصف بنكرياس - رئة واحدة ..او النخاع الشوكي - نقي العظم -) ويجب أن يكون راشداً ويتمتع بصحة جيدة تخوله الخضوع لهذه العملية دون أية مضاعفات ..
وواهب ميت موت دماغي مع المحافظة الطبية على الدورة الدموية ويستطيع أن يهب ( قلب - كليتين - رئتين - بنكرياس - قرنيتين - عينين - أوعية دموية - صمامات - جلد - أمعاء - عظم - نخاع عظمي ..)

ولأن الإستئصال هو عمل جراحي كأي عمل جراحي أخر فهو يخضع لقوانين وأنظمة وأخلاقيات تنظم العمل الجراحي لذلك يعامل جسم الواهب بعناية وإحترام لجهة الأعضاء الموهوبة ولجهة شكل الجسد الخارجي ..
لكن لكل عمل جراحي مهني موانع ومحاذير فموانع التبرع بالأعضاء ووهبها من الناحية الطبية تم حصرها بالأسباب التالية :

السرطان (ما عدا سرطان الدماغ والجلد غير المنتشر) سرطان الدم والسرطان اللمفاوي المنتشر - الأمراض السارية ( كالسيدا والصفيرة ) داء السكري ( للعضو المصاب فقط ) ضغط الدم المزمن ( للعضو المصاب ) ..
تجاوز سن الخامسة والستين للشخص الواهب ..

أما عن شروط وهب الأعضاء فلا بد من توقيع الواهب الحي في حياته لإستمارة ( وصية ) يصرح فيها برغبته بالتبرع بعد الوفاة إضافة لموافقة العائلة بعد وفاته ومن الشروط التي يتم إتباعها هو عدم معرفة عائلة الواهب لشخصية المتلقي وذلك لإعتبارات أخلاقية وقانونية والعكس صحيح .. أي يُمنع على المتلقي معرفة هوية الشخص المتبرع ..

ويتم إخضاع هذه العملية لقواعد السرية التامة وذلك درءاً لحدوث مشاكل نفسية وإجتماعية وقانونية قد تنشأ في المستقبل .
وفي هذا السياق لا بد لنا من التطرق للحديث عن الرأي الديني المؤسساتي بصراحة ونظرته لعملية وهب الأعضاء والتبرع بها ..

فمن وجهة نظر الديانة المسيحية والإسلامية أيضاً .. لا يوجد أي نص يمنع او يحرم او يجرم مسألة وهب الأعضاء ويعاقب مرتكبها او ينعته بصفات دينية كالتكفير والإرتداد او الزندقة وما شابه ذلك بل على العكس هنالك تشجيع على ذلك الأمر بإعتباره عملاً إنسانياً ذو طابع وصبغة دينية شرط أن يتم دون مقابل أي أن لا يكون الهدف من وراء هذا العمل تجارياً وربحياً ..

ولكن مع كل هذا وذاك يبقى موضوع ومسألة التبرع بالأعضاء ووهبها للأخرين محصور في نطاق ضيق ولذلك عدة أسباب وعوامل منها العامل الثقافي والإجتماعي إضافة الى الفهم الخاطىء للفكر الديني .. فقلة الوعي والجهل حول هذا الأمر من قبل الشخص الواهب يؤدي به الى الخوف ...

 فالإنسان عدو ما يجهل كما قيل لذلك يتردد في غالب الأحيان إضافة الى ردود أفعال الأهل والأقارب وعلامات السخط والإستهجان التي تعقب إعلان شخص ما عن رغبته في التبرع بعد الوفاة خاصة لما يعتبرونه تعدياً وإنتهاكاً لحرمة الجسد البشري وتشويهاً له وإنتقاصاً لكماله وتلك حجج وأعذار أقبح من ذنوب ..!!  فما نفع الجسد بعد الموت وتوقف ملكة الوعي والعقل فمصيرها سيكون الى التراب وستأكلها ديدان الأرض وحشراتها الحقيرة ..؟

إن قيام الشخص وإعلانه بالإقدام على التبرع ووهبه لأعضاءه بعد الوفاة لهو عمل من أعظم الأعمال الإنسانية التي ترفع لها القبعة لما تحمله من معاني وصفات المروءة والكرم وحب الإيثار والتخلي عن الأنانية والنرجسية التي يصاب الإنسان بها في الكثير من الأحايين ..
إنها من علامات النضج والوعي المطلق والجرأة وشجاعة النفس البشرية للقيام بهكذا عمل وبنفس الوقت هو تجرد من الصفات المادية التي يعتقد الشخص بأنه يمتلكها ويستأثر بها لوحده ويرغب بدفنها معه تحت التراب .!!      

إن عملية وهب الأعضاء وخاصة بعد الوفاة .. أيها السادة .. مسألة جديرة بالإحترام والتقدير الكبيرين ... بها تكتمل إنسانيتنا المفقودة في بعض أجزاءها وتتزيّن أخر قطعة في لوحتنا الخاصة .. فلا بد لنا كمجتمع وهيئات من التشجيع عليها لنشر ثقافة وهب الأعضاء والتبرع بها بعد الموت لما لها من تأثير إيجابي بين الناس على الصعيد الإجتماعي والأخلاقي والإنساني ككل .

وتتجلى عملية نشر ثقافة وهب الأعضاء وتبديد المخاوف المثارة حولها عبر الوسائل والطرق والأليات التالية :
- زيادة الوعي حول أهمية وهب الأعضاء ونزع وتبديد كل المخاوف والتوجسات المثارة حولها عبر الإعلام والصحافة وغيرها ...
- تنظيم ندوات ومؤتمرات علمية طبية بشكل دوري حول أهمية هذه المسألة الحيوية ولا بأس بالإستعانة برجال دين لإبداء أرائهم حول الموضوع لإزالة التناقض والأقاويل المثارة حول عملة وهب الأعضاء سلباً وإيجاباً خاصة أنه مازال لهم تأثير كبير على عقول الناس وتوجهاتهم خاصة في مجتمعاتنا المتحفظة دينياً والتي مايزال الخطاب الديني سلعة تلقى رواجاً .

- وضع التشريعات وسنّها وتوفير كافة التسهيلات المادية والخدمية واللوجستية عبر إنشاء مراكز وبنوك للتبرع ووهب الأعضاء وتوفير كادر طبي ذو خبرة واسعة في هذا المجال ... مع الحفاظ على السرية التامة عبر أرشفة البيانات والمعلومات الطبية وأتمتتها بكافة أشكالها لتيسير عملية الوهب والتبرع لجعلها في النهاية عملية يسيرة وسهلة الحصول ومضبوطة النتائج .

وفي الختام .. لا بد من التأكيد على أن مسألة وهب الأعضاء ما زالت ضعيفة الأثر في بلادنا إن لم تكن معدومة لربما مازالت تلك المسألة تلقى الكثير من المعارضات من هنا وهناك من قبل بعض الهيئات والأصوات والمرجعيات الدينية المتحفظة والمنغلقة على ذاتها والمتخلفة في طروحاتها ذات التأثير الكبير والرائج .. لربما ثقافة المجتمع غير مؤهلة وناضجة لمثل هذه الاستحقاقات ..؟؟..  لكن لا بد من البدء والإنطلاق يوماً ما ..

فالإنسان يستطيع أن يترك بصمة في كل لحظة ليس فقط في حياته بل وحتى بعد مماته .. الأمر يحتاج فقط الى القليل من الشجاعة والجرأة والكثير من المسؤولية ...

الخيار يعود لك أنت فقط ... وليس لأحد أخر سواء في الأرض او في السماء ..!!


اللاذقية بتاريخ 9\6\2015


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
 

الجمعة، 22 مايو 2015


ترف السياسة ..!!

في دكاكين السياسة وحوانيتها تباع وتشترى المفاهيم والقيم والأخلاق ... وحتى الإنسان ...
فمرحباً بكم في الشرق الأوسخ الكبير ...!! 

تصدي .. أم تردي ..؟

في دول وبلدان الصمود والتصدي ... والتردي كل شيء مباح بإسم الدفاع عن السمعة والعناوين العريضة والأزقة المريضة ...
حتى إستباحة الإنسان والوطن والأخلاق والأفكار ... كلها مبررة في سبيل الصورة الإنطباعية الخارجية وتسويقها ولو على حساب الإنسانية