بالنظر الى طريقة وأسلوب عمل أي مؤسسة او دائرة او وزارة في القطاع الإداري والخدمي او حتى الجسم السياسي سيستوقفنا أمر قد يبدو عادياً للبعض او للكثيرين لكن بالنظر الى جذوره سيبدو خطيراً وتأثيره غالباً ما سيكون سبباً للإنتكاس والتراجع على المدى البعيد ..
إنه أيها السادة ظاهرة السوبرمان .. تلك الظاهرة القديمة والتي تعود في جذورها الى عصور ما قبل التاريخ المتمدن وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحاكمية الإلهية وعالم الغيب إنه ذلك المخلّص الذي لطالما انتظرته او صنعته الكثير من الشعوب والقوميات في أدبياتها وتراثها ودياناتها السائدة والبائدة ..
وهو ذلك الشخص الحكيم الحليم واسع الإطلاع وذو النظرة الثاقبة الذي يُعتمد عليه في كافة مجالات الحياة للإنتقال بالشعب والناس من عصور الهزيمة والإنحطاط الى عصور التنوير والإنتصارات ...!
إنني أتحدث هنا عن الشخص الفرد وبغض النظر عن موقعه او مكانته كحاكم او مُلهم او مشرّع او حتى أب روحي ..
لقد إرتبطت فكرة الإنسان المخلّص والقائد والحكيم في وجدان وثقافات الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية والشرقية خاصة بسبب إعتناقها لفكرة الدين كسبب من أسباب نشوء الحياة وظهورها على سطح هذه البسيطة ( طبعاً ولا نكاد ننسى ظاهرة الفرد الحاكم الإله التي ظهرت في بلدان كانت أقرب الى الوجودية منها الى التدين ولكنها في جوهرها استبدلت حاكمية الفرد الإله بشخصية الفرد الديكتاتور الشمولي بسبب إعتناقها لأيديولوجيات شمولية لا تعترف بالفكر الأخر فكانت أن جسدت نفس الأفة وإنزلقت لنفس المعترك ..) ..
وهذا الخلط أدى الى انتكاسة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة .. فشخصية الرجل المُرسل من السماء سواء أكان أباً روحياً أم رسولاً او ما الى ذلك من تسميات لطالما امتزجت بشخصية الحاكم السياسي ورجل الدولة ولو بالمفهوم البسيط والبدائي للكلمة عبر تاريخ ظهور ونُشوء الديانات والتزاوج السياسي الديني لمقاليد الحكم واستمرارها الى زماننا هذا على المستوى الثقافي الفكري .. وبالتالي انعكست بدورها على بقية شخصيات الحكم والإدارة ...
ومع تطور مفهوم الدولة بشكلها المدني الحالي وبعد مرورها بمراحل القبلية والعشائرية والقروية وأشباه المدن وظهور التعقيدات والإختصاصات في العمل والواجبات هذا ما أدى الى الحاجة لتبلور شكل الدولة بمظهرها الحالي الذي نراها عليه اليوم ..
لكن للأسف إن التطور الحضاري الذي رافق شكل الدولة في بنيتها وهيكلها السياسي والإجتماعي والمدني لم يرافقه تطور ثقافي في الوعي واللاوعي الإنساني الإجتماعي وخاصة العربي منه والإسلامي على وجه الخصوص والتحديد .؟
إن نظرة سريعة على العديد من الدول المدنية في العالم الحديث يعطينا فروقاً واضحة المعالم في شكل وألية عمل وإدارة الدولة ومرافقها على كافة الأصعدة ..
فمفهوم الحاكمية والرجل القائد والمخلّص والمنقذ إختفت وتلاشت من قواميس ودساتير وأدبيات تلك الدول وحتى في الفكر الجمعي لتلك الشعوب والأقوام وذلك إنعكاس لتطورها الفكري الثقافي والحضاري الإنساني والذي واكب التطور المدني والإداري والعمراني على إعتبارأنه مرّ بأزمات وكوارث وإنتكاسات كان لها أثر إيجابي على تبلور فكرة التشاركية في الحكم والإدارة والتداول السياسي والسلمي لإدارة البلاد بمنطق الواجب والمسؤولية ..
إن مفهوم إدارة الحكم والدولة هناك لا يقوم على أساس شخص السوبرمان ذلك الرجل المخلّص والمنقذ الذي سينقذ البلاد والعباد من كافة أزمات الشعب والبشر والحجر سواء السياسية او الإجتماعية او المالية المعاشية .
لأنه كما أشرنا سابقا .. فالمنطق المستخدم في الحكم على الأمور هو منطق التشاركية والتعاونية والخدماتية .. فالعمل الحكومي او الشأن العام او الخدمة هو مسؤولية بالدرجة الأولى وبالتالي كان لزاماً أن تقوم الدولة في بنيتها وإدارتها على منطق التشاركية في الحكم وأيضاً التخطئة والنقد الحقيقي والموضوعي عبر توازنات المعارضة والسلطة إضافة الى التداول الدائم والمستمر لإدارة شؤون البلاد والمحاسبة على كل تقصير وإهمال في حق الناس لتحقيق أفضل خدمة ورفاه للإنسان المواطن .. هكذا تدار البلاد أيها السادة ..!!
وهذا الأمر ( والحديث مازال عن الدول المتقدمة ) ما كان ليحدث او يتم الوصول إليه إلا بعد العديد من الخطوات والأليات وكان أهمها بناء الدولة المدنية العلمانية وذلك بعد فصل الدين والعقيدة عن الحياة المدنية والسياسية للبلاد وبهذا شيئاً فشيئاً اختفت فكرة الرجل السوبرمان المخلّص والمنقذ الذي يحكم بإلهام من السماء السابعة او التاسعة .. والغير قابل للتخطئة رغم ما قد يقترفه من كوارث وأزمات .
بينما في بلداننا العربية والإسلامية تحديداً فالوضع مختلف ومقلوب تماماً .. فالدين والعقيدة والطائفة مازال مسيطراً ومتنطحاً ومتصدياً لكل أمر سواء أكان مدنياً او إقتصادياً وإجتماعياً او سياسياً إبتداءاً من القيد المدني وإنتهاءاً بمصادر التشريع التي تُدار بها البلاد .. ورسم سياسة الدولة العليا وحتى تحديد الأعداء من الأصدقاء ..؟؟
وهذا ما أدى الى استمرار ثقافة السوبرمان في اللاوعي وحتى الوعي الجمعي على الحد السواء بحجة عدم وجود البديل .. طبعاً ليس بالسهولة إيجاد بديل لشخص يحكم بإلهام من السماء ..!!.. فالحل سيكون بتأجيل الأزمات وترحيلها ومراكمتها الى السنوات القادمة ..
إن اي حاكم في بلادنا إبتداءاً من أصغر شخصية إدارية في السلك الخدمي سواء أكان رئيساً للبلدية او محافظاً وإنتهاءاً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة تتصرف بهذا المنطق والأسلوب لأنها في المحصلة إنعكاس للفكر السائد في البيئة الحاضنة سواء المادية والإجتماعية والجغرافية والثقافية السائدة في الزمان والمكان المحددين ..
فما زال الناس يهلّلون لهذه الظاهرة سواء أكانوا في القطاع الخدمي الوظيفي أم خارجه .. ولا أدل على ذلك مما نراه حين يتم تعيين أي شخصية عامة ( موظف ) سواء سياسية او إدارية ( كالمحافظ او رئيس البلدية او الوزير .. وهلما جرا ..) فيقال عنه أنه المُنقذ على إعتبار أنه أخلاقي وسمعته تسبقه وبالتالي هو من سيتولى دفة القيادة في المنصب الموكل إليه .. لكن الصدمة والصحوة تأتي متأخرة قليلاً وخاصة بعد أن يفشل هذا المُنقذ او ذاك في مهمته ومسؤولياته الأسطورية السماوية .. فما الذي حصل او سيحصل ..؟؟
أيها السادة لا يكفي أن تكون أخلاقياً او أدمياً ... كما يقال بالعامية .. حتى تكون بالمحصلة سوبرماناً .. بل ليس مطلوباً منك هذا الدور الذي انتهت صلاحيته .. فالأمر أكثر بساطة من ذلك إنه يحتاج الى عدة شروط وأسباب موضوعية لنجاح أي عمل او مشروع كان ...
في البداية يجب إختيار الأشخاص على أساس الكفاءة والتجدد والرؤية المستديمة لروح الإبداع والمثابرة .. فالطيبة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجُرأة والحزم والقدرة على التطوير ضمن روح الفريق والجماعة وهو أيضاً عامل أخر مهم وحيوي لأن العمل في الشأن العام والخدمي لا يُبنى على سياسة ومنطق إعطاء الأوامر فحسب بل هو عمل جماعي تشاركي في نهاية المطاف لأنه يخدم الصالح العام وبالتالي يجب وضع الأليات والشروط والتعليمات لإزكاء وبناء هذا المفهوم الجوهري في حياتنا العامة ..
علينا بإمتلاك الخطة ..؟
إن تطبيق هذا المبدأ الحيوي والهام في حياتنا العملية والخدماتية يحتاج منّا الى تمهيد وتعبيد الطريق أولاً لأن أي عمل او خطوة او مشروع نسعى لتحقيقه وتنفيذه سواء على المدى القريب او البعيد او الإستراتيجي لن ينجح اذا لم نمتلك الخطة المناسبة والرؤية المناسبة والموضوعية .. والجدية والمستمرة والمتجددة لكل مرحلة نريد خطّها ورسمها وتنفيذها ..
إن قلب المفاهيم المغلوطة والسائدة في أي مجتمع وتحويلها الى مفاهيم واقعية براغماتية يحتاج الى ثورة تبدأ من الفكر أولاً ..
ففي موضوعنا هذا أول ما نحتاجه لتكريس مفهوم التشاركية وروح العمل الجماعي فعلاً لا قولاً هو تكريس مفهوم الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وهذا لن يتم تحقيقه بالأمنيات بل بخطوات عملية أولها فصل الدين عن مؤسسات الدولة ككل ( فالدولة شخص او كيان إعتباري لا دين له ) وعدم إقحام التشريعات الدينية في حياتنا المدنية وقوانيننا ودساتيرنا لما لها من تأثير سلبي على شكل وأسلوب وهيكلية بناء الدولة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ..
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن إلباس الدولة شخصية ومرجعية دينية سيجعلها ويجعل شخوصها غير قابلين للتخطئة والمُساءلة بإعتبارهم يحكمون بأمر وإلهام السماء ..وهذا ما سيزيد الطين بلة ..
إن علمنة الدولة ... وجعلها حاضنة لكل أفراد الشعب يتجلى بإدارتها بعقلية المؤسسات والعمل الجماعي والتشاركي وخضوع أفرادها لسلطة القانون ومؤسسات الدولة الحقوقية والمرجعيات القضائية بكل شفافية مع مواكبة إعلامية شفافة فالكل مسؤول أمام القانون ولا مبرر حين إذ بأن نلقي فشلنا وإخفاقاتنا وإنتكاساتنا على الأقدار والظروف الغامضة والمؤامرات الطارئة ..!!
لا نريد سوبرمانات ومُنقذين مُلهمين أيها السادة في بلداننا .. بل نريد أشخاص عاديين يتميزون بالجُرأة حين وقوع الخطأ والإعتراف به والخضوع للقانون والمُساءلة بقدر جرأتهم في طروحاتهم البنّاءة والتطورية أينما كان موقعهم الخدمي الوظيفي حتى نصل ذات يوم الى مكانة تستحق أن نليق بها وتليق بنا .. ونكون آهلاً لهذا الإستحقاق والإختبار الإنساني ..
اللاذقية بتاريخ 21\7\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
إنه أيها السادة ظاهرة السوبرمان .. تلك الظاهرة القديمة والتي تعود في جذورها الى عصور ما قبل التاريخ المتمدن وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحاكمية الإلهية وعالم الغيب إنه ذلك المخلّص الذي لطالما انتظرته او صنعته الكثير من الشعوب والقوميات في أدبياتها وتراثها ودياناتها السائدة والبائدة ..
وهو ذلك الشخص الحكيم الحليم واسع الإطلاع وذو النظرة الثاقبة الذي يُعتمد عليه في كافة مجالات الحياة للإنتقال بالشعب والناس من عصور الهزيمة والإنحطاط الى عصور التنوير والإنتصارات ...!
إنني أتحدث هنا عن الشخص الفرد وبغض النظر عن موقعه او مكانته كحاكم او مُلهم او مشرّع او حتى أب روحي ..
لقد إرتبطت فكرة الإنسان المخلّص والقائد والحكيم في وجدان وثقافات الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية والشرقية خاصة بسبب إعتناقها لفكرة الدين كسبب من أسباب نشوء الحياة وظهورها على سطح هذه البسيطة ( طبعاً ولا نكاد ننسى ظاهرة الفرد الحاكم الإله التي ظهرت في بلدان كانت أقرب الى الوجودية منها الى التدين ولكنها في جوهرها استبدلت حاكمية الفرد الإله بشخصية الفرد الديكتاتور الشمولي بسبب إعتناقها لأيديولوجيات شمولية لا تعترف بالفكر الأخر فكانت أن جسدت نفس الأفة وإنزلقت لنفس المعترك ..) ..
وهذا الخلط أدى الى انتكاسة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة .. فشخصية الرجل المُرسل من السماء سواء أكان أباً روحياً أم رسولاً او ما الى ذلك من تسميات لطالما امتزجت بشخصية الحاكم السياسي ورجل الدولة ولو بالمفهوم البسيط والبدائي للكلمة عبر تاريخ ظهور ونُشوء الديانات والتزاوج السياسي الديني لمقاليد الحكم واستمرارها الى زماننا هذا على المستوى الثقافي الفكري .. وبالتالي انعكست بدورها على بقية شخصيات الحكم والإدارة ...
ومع تطور مفهوم الدولة بشكلها المدني الحالي وبعد مرورها بمراحل القبلية والعشائرية والقروية وأشباه المدن وظهور التعقيدات والإختصاصات في العمل والواجبات هذا ما أدى الى الحاجة لتبلور شكل الدولة بمظهرها الحالي الذي نراها عليه اليوم ..
لكن للأسف إن التطور الحضاري الذي رافق شكل الدولة في بنيتها وهيكلها السياسي والإجتماعي والمدني لم يرافقه تطور ثقافي في الوعي واللاوعي الإنساني الإجتماعي وخاصة العربي منه والإسلامي على وجه الخصوص والتحديد .؟
إن نظرة سريعة على العديد من الدول المدنية في العالم الحديث يعطينا فروقاً واضحة المعالم في شكل وألية عمل وإدارة الدولة ومرافقها على كافة الأصعدة ..
فمفهوم الحاكمية والرجل القائد والمخلّص والمنقذ إختفت وتلاشت من قواميس ودساتير وأدبيات تلك الدول وحتى في الفكر الجمعي لتلك الشعوب والأقوام وذلك إنعكاس لتطورها الفكري الثقافي والحضاري الإنساني والذي واكب التطور المدني والإداري والعمراني على إعتبارأنه مرّ بأزمات وكوارث وإنتكاسات كان لها أثر إيجابي على تبلور فكرة التشاركية في الحكم والإدارة والتداول السياسي والسلمي لإدارة البلاد بمنطق الواجب والمسؤولية ..
إن مفهوم إدارة الحكم والدولة هناك لا يقوم على أساس شخص السوبرمان ذلك الرجل المخلّص والمنقذ الذي سينقذ البلاد والعباد من كافة أزمات الشعب والبشر والحجر سواء السياسية او الإجتماعية او المالية المعاشية .
لأنه كما أشرنا سابقا .. فالمنطق المستخدم في الحكم على الأمور هو منطق التشاركية والتعاونية والخدماتية .. فالعمل الحكومي او الشأن العام او الخدمة هو مسؤولية بالدرجة الأولى وبالتالي كان لزاماً أن تقوم الدولة في بنيتها وإدارتها على منطق التشاركية في الحكم وأيضاً التخطئة والنقد الحقيقي والموضوعي عبر توازنات المعارضة والسلطة إضافة الى التداول الدائم والمستمر لإدارة شؤون البلاد والمحاسبة على كل تقصير وإهمال في حق الناس لتحقيق أفضل خدمة ورفاه للإنسان المواطن .. هكذا تدار البلاد أيها السادة ..!!
وهذا الأمر ( والحديث مازال عن الدول المتقدمة ) ما كان ليحدث او يتم الوصول إليه إلا بعد العديد من الخطوات والأليات وكان أهمها بناء الدولة المدنية العلمانية وذلك بعد فصل الدين والعقيدة عن الحياة المدنية والسياسية للبلاد وبهذا شيئاً فشيئاً اختفت فكرة الرجل السوبرمان المخلّص والمنقذ الذي يحكم بإلهام من السماء السابعة او التاسعة .. والغير قابل للتخطئة رغم ما قد يقترفه من كوارث وأزمات .
بينما في بلداننا العربية والإسلامية تحديداً فالوضع مختلف ومقلوب تماماً .. فالدين والعقيدة والطائفة مازال مسيطراً ومتنطحاً ومتصدياً لكل أمر سواء أكان مدنياً او إقتصادياً وإجتماعياً او سياسياً إبتداءاً من القيد المدني وإنتهاءاً بمصادر التشريع التي تُدار بها البلاد .. ورسم سياسة الدولة العليا وحتى تحديد الأعداء من الأصدقاء ..؟؟
وهذا ما أدى الى استمرار ثقافة السوبرمان في اللاوعي وحتى الوعي الجمعي على الحد السواء بحجة عدم وجود البديل .. طبعاً ليس بالسهولة إيجاد بديل لشخص يحكم بإلهام من السماء ..!!.. فالحل سيكون بتأجيل الأزمات وترحيلها ومراكمتها الى السنوات القادمة ..
إن اي حاكم في بلادنا إبتداءاً من أصغر شخصية إدارية في السلك الخدمي سواء أكان رئيساً للبلدية او محافظاً وإنتهاءاً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة تتصرف بهذا المنطق والأسلوب لأنها في المحصلة إنعكاس للفكر السائد في البيئة الحاضنة سواء المادية والإجتماعية والجغرافية والثقافية السائدة في الزمان والمكان المحددين ..
فما زال الناس يهلّلون لهذه الظاهرة سواء أكانوا في القطاع الخدمي الوظيفي أم خارجه .. ولا أدل على ذلك مما نراه حين يتم تعيين أي شخصية عامة ( موظف ) سواء سياسية او إدارية ( كالمحافظ او رئيس البلدية او الوزير .. وهلما جرا ..) فيقال عنه أنه المُنقذ على إعتبار أنه أخلاقي وسمعته تسبقه وبالتالي هو من سيتولى دفة القيادة في المنصب الموكل إليه .. لكن الصدمة والصحوة تأتي متأخرة قليلاً وخاصة بعد أن يفشل هذا المُنقذ او ذاك في مهمته ومسؤولياته الأسطورية السماوية .. فما الذي حصل او سيحصل ..؟؟
أيها السادة لا يكفي أن تكون أخلاقياً او أدمياً ... كما يقال بالعامية .. حتى تكون بالمحصلة سوبرماناً .. بل ليس مطلوباً منك هذا الدور الذي انتهت صلاحيته .. فالأمر أكثر بساطة من ذلك إنه يحتاج الى عدة شروط وأسباب موضوعية لنجاح أي عمل او مشروع كان ...
في البداية يجب إختيار الأشخاص على أساس الكفاءة والتجدد والرؤية المستديمة لروح الإبداع والمثابرة .. فالطيبة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجُرأة والحزم والقدرة على التطوير ضمن روح الفريق والجماعة وهو أيضاً عامل أخر مهم وحيوي لأن العمل في الشأن العام والخدمي لا يُبنى على سياسة ومنطق إعطاء الأوامر فحسب بل هو عمل جماعي تشاركي في نهاية المطاف لأنه يخدم الصالح العام وبالتالي يجب وضع الأليات والشروط والتعليمات لإزكاء وبناء هذا المفهوم الجوهري في حياتنا العامة ..
علينا بإمتلاك الخطة ..؟
إن تطبيق هذا المبدأ الحيوي والهام في حياتنا العملية والخدماتية يحتاج منّا الى تمهيد وتعبيد الطريق أولاً لأن أي عمل او خطوة او مشروع نسعى لتحقيقه وتنفيذه سواء على المدى القريب او البعيد او الإستراتيجي لن ينجح اذا لم نمتلك الخطة المناسبة والرؤية المناسبة والموضوعية .. والجدية والمستمرة والمتجددة لكل مرحلة نريد خطّها ورسمها وتنفيذها ..
إن قلب المفاهيم المغلوطة والسائدة في أي مجتمع وتحويلها الى مفاهيم واقعية براغماتية يحتاج الى ثورة تبدأ من الفكر أولاً ..
ففي موضوعنا هذا أول ما نحتاجه لتكريس مفهوم التشاركية وروح العمل الجماعي فعلاً لا قولاً هو تكريس مفهوم الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وهذا لن يتم تحقيقه بالأمنيات بل بخطوات عملية أولها فصل الدين عن مؤسسات الدولة ككل ( فالدولة شخص او كيان إعتباري لا دين له ) وعدم إقحام التشريعات الدينية في حياتنا المدنية وقوانيننا ودساتيرنا لما لها من تأثير سلبي على شكل وأسلوب وهيكلية بناء الدولة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ..
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن إلباس الدولة شخصية ومرجعية دينية سيجعلها ويجعل شخوصها غير قابلين للتخطئة والمُساءلة بإعتبارهم يحكمون بأمر وإلهام السماء ..وهذا ما سيزيد الطين بلة ..
إن علمنة الدولة ... وجعلها حاضنة لكل أفراد الشعب يتجلى بإدارتها بعقلية المؤسسات والعمل الجماعي والتشاركي وخضوع أفرادها لسلطة القانون ومؤسسات الدولة الحقوقية والمرجعيات القضائية بكل شفافية مع مواكبة إعلامية شفافة فالكل مسؤول أمام القانون ولا مبرر حين إذ بأن نلقي فشلنا وإخفاقاتنا وإنتكاساتنا على الأقدار والظروف الغامضة والمؤامرات الطارئة ..!!
لا نريد سوبرمانات ومُنقذين مُلهمين أيها السادة في بلداننا .. بل نريد أشخاص عاديين يتميزون بالجُرأة حين وقوع الخطأ والإعتراف به والخضوع للقانون والمُساءلة بقدر جرأتهم في طروحاتهم البنّاءة والتطورية أينما كان موقعهم الخدمي الوظيفي حتى نصل ذات يوم الى مكانة تستحق أن نليق بها وتليق بنا .. ونكون آهلاً لهذا الإستحقاق والإختبار الإنساني ..
اللاذقية بتاريخ 21\7\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق