بغض النظر عن التعريف الحقوقي والأكاديمي والإصطلاحي للقانون بشكل عام نرى العديد من التعريفات والإجتهادات التي حددت ملامح القانون وقوامه ووظيفته ويمكن تلخيصها وإجمالها بالتعريف الشامل التالي :
القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...
فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..
ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!
ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم
وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .
وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟
لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..
إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟
إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..
إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..
لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...
ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!
فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..
فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!
فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..
هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.
صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات).. لحاضرنا ومستقبلنا .
اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..
لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي) ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .
فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...
اللاذقية بتاريخ 24\9\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...
فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..
ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!
ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم
وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .
وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟
لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..
إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟
إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..
إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..
لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...
ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!
فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..
فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!
فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..
هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.
صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات).. لحاضرنا ومستقبلنا .
اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..
لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي) ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .
فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...
اللاذقية بتاريخ 24\9\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق