الأربعاء، 30 يوليو 2014

الوهابيين الجدد ... مرة أخرى .!!

من الملاحظ لأي شخص يتابع الأحداث السياسية المتراكدة في العالم العربي وخاصة في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أن الحلول كلما دخلت من الباب ما تلبث أن تقفز خارجاً من الشباك وهذا ليس صدفة او خبط عشواء ..

لا يخفى على الكثيرين أن هنالك العديد من الأسباب والأصابع الخفية التي تلعب دوراً أساسياً في تأزيم الصراع وتأجيج الإنقسامات والتسويق للعديد من المواقف السياسية والأيديولوجية وكل منها يتمترس خلف جيش من المبررات والذرائع .

فالإسلاميون يتشدقون بمبدأ حماية الثورة وكأنهم هم من صنعوها لوحدهم ولا أحد له الفضل في ذلك إلا هم ومن ورائهم ربهم والتيارات الأخرى المعادية سياسياً لمواقف مرسي والأخوان من وراءه يتمنطقون بمبادىء الدولة المدنية وعدم المساس بالثورة ومنع الإخوان من محاولة سرقتها .. حتى أصبحت الثورة اللعينة ككرة يتقاذفها كل طرف في هذا الصراع السياسي والأيديولوجي وكأن المقدر والمرسوم لهذه البلاد أن تتجه الى التقسيم والضعف وفقد الدور المركزي الذي كانت تلعبه (مصر) في المنطقة .. قد يعترض البعض على هذا التوصيف
ويقول بأن مصر كانت مختطفة من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها بحيث تم تحجيم دورها ..؟؟

هذا الكلام لا يجانب الصواب في الكثير من مضمونه فكلنا يعلم أن مصر لها حساباتها ومصالحها كأي دولة لها الحق في أن يكون لها مصالح وطموحات على الصعيد السياسي والإقليمي بل وحتى الدولي لكن في الأوقات العصيبة والحرجة كان لدولة مصر وعبر التاريخ دور ريادي وفاعل في المنطقة سواء أحببنا هذا الكلام او كرهناه فهذه حقيقة لا يمكن نكرانها او إجحادها ..

لكن يبدو للبعض أن هذا الدور الريادي لدولة مصر في المنطقة لم يعد مرغوباً به وقد آن الأوان له أن ينتهي ويزول.
وبالقياس على ذلك إذا نظرنا الى الأعلى قليلاً ووجهنا نظرنا الى سوريا هذه الدولة رغم صغر مساحتها جغرافياً ولوجستياً إلا أنها لعبت دوراً سياسياً وتاريخياً على مر العصور ومنذ أزمنة ما قبل التاريخ الميلادي كان لسوريا مساهمات كثيرة في المجالات الأدبية والثقافية والحضارية وحتى الروحية وصدّرت الكثير من الثقافات والأدبيات لكل الدول المجاورة حتى أنها اثرت الحضارة الغربية ولا سيما اليونانية والرومانية ..

وبنفس المقاييس والأدوات تم حرف الثورة السورية في بداياتها وأسلمتها لتغيير وجهتها وحرفها عن المسار السلمي الطبيعي وبذلك خرجت العربة عن سكتها كما يقال !!
إن الحضارة المصرية بغناها وتنوعها والحضارة السورية بتألقها وثرائها رغم ما قدماه للبشرية والإنسانية من تراث ومنظومة حضارية ومدنية إلا أن ذلك لم يكن بالشيء الحميد لأنه قد سبب الكثير من الحسد والغيرة لبعض البلاد والتي كانت تنظر بضيق العين والغيرة والشعور بالنقص والدونية تجاه تلك البلاد التي تضج بالتنوع الثقافي والحضاري .. وهنا كانت المشكلة فتلك البلاد التي تدعي الحضارة والإنسانية وتطرب أذاننا صباح مساء بمعزوفة مطلعها ( نحن من فجّرنا النور من قلب الظلام ) إنهم وبإختصار العربان ..

ذلك العقل البدوي المتكلس الذي لا ينفك يردد وبشكل ببغائي أن له الفضل على العالم والبشر بما منّت عليه السماء من عطايا وهبات وسبايا والذي لا يتقبل أن يرى أحداً أفضل منه ولو على المستوى الثقافي والمعرفي .؟؟!!

وكان هذا العقل البدوي الجلف يحاول مراراً وتكراراً على طمس وتدمير كل ما يراه متفوق عليه فهو قديماً غزى مصر الفرعونية والقبطية ودمر حضارتها بإسم إعلاء كلمة الله العليا وفقدت بذلك هويتها الحضارية والشخصية وغزى سوريا الفينيقية والكنعانية والسريانية بإسم المقدس وإغتصب إرثها الحضاري والمعرفي والروحي ..

هذا العقل البدوي الصحراوي القديم والذي يدعي الإيمان قد باع نفسه وروحه الى كل من يدفع مالاً انه كالمومس التي تبيع جسدها لقاء المال لقد تحول الى عباءة ولحية كما كان يعيش في تلك الصحراء المقفرة لقد لبس عباءة الوهابيين محاولاً بذلك إعادة أمجاده الغابرة التي قامت على سياسة الغزو والقنص وطالما شكلت له الدول والبلدان المجاورة  هاجساً أرق نومه وقض مضجعه بما تتفوق عليه من هوية تاريخية ومعرفية وبإعتبار هذا العقل البدوي والوهابي قاصر التفكير ولا يجيد لغة التخطيط والتكتيك هذا ما دفع به الى الإرتماء بأحضان الصهيونية العالمية والتي استغلت حقده ونقاط ضعفه ..

ومن أقدر منها على إستغلال الفرص فقامت بتغذية الأحقاد الدفينة والأحلام الضائعة والمكبوتة في ذلك العقل البدوي الصحراوي وإعادة تشكيل هيكلياته على أساس يدعي المدنية والحداثة  كأحزاب الأخوان والعدالة والنور... الى أخر هذه المسميات الثورية والتقدمية وقذفت به الى الساحات العامة والمدارس والبيوت الدينية حتى تغلغلوا في مفاصل الحياة كافة ..مع ضخ مالي ودعم إعلامي وتجميلي ممنهج ..

هذا الدور المرسوم لأولئك البدو الوهابيون ليقوموا بما يجيدونه .. ربما لا يجيدون غيره وتم توجيه أولاءك الغزاة الى الدولة المركزية وهي مصر فكانوا أكثر تنظيماً من بقية أفراد الشعب وأكثر إستعداداً للإنقضاض على مسار الثورة والتغيير
وبذلك يتم إصطياد عصفورين في حجر واحد كما يقال الأول هو إضعاف دور مصر الحضاري خدمة لأسيادهم وأولياء نعمتهم والثاني ذلك الحلم البدوي القديم في السيطرة على مصر التاريخ والفراعنة وأرض الكنانة .. وتحطيم تفوّقها ..!!

وفي شقيقتها سوريا أيضاً نلاحظ ظهور الطوفان الوهابي ذو العقلية الصحراوية البدوية التي لا تعترف بحضارة او مدنية إلا الحضارة البدوية والصحراوية القاحلة ممثلاً وحيداً للبشرية وهي أسلوب الحياة الأمثل والأرفع شأناً والذي علمته الالهة البدوية لذلك الرجل البدوي لطمس كل معالم وحضارة الألهة السورية التي شكلت عبر التاريخ مع الألهة المصرية القديمة كابوساً ومأزقاً حقيقياً لذلك الإله البدوي الصحراوي الذي يشبه الى حد كبير رجاله وغزاته الصحراويين الذين انتشروا كالطفيليات والجراثيم ..

لا بد من الإعتراف بأن التحدي والخطر كبير لذلك فالمواجهة والمسؤولية يجب أن تكون أكبر ؟؟ لذلك علينا أن نعي هذه الأطماع والمخططات الشيطانية التي تعصف في بلادنا .. يجب الوقوف وقفة رجل واحد في وجه هذا الغزو الإستعماري الجديد الذي يتخذ شكل الإستعمار الفكري والعقائدي بكافة أشكاله الوبائية والمرضية ولنكن على ثقة أن هذه البلاد التي كانت عبر التاريخ منارة للحب والعلوم والمعارف والخيال والإبداع ستنتصر على منطق البداوة صاحبة الأفق الضيق والنظرة الدونية والفكر الإقصائي والتكفيري .. هذا هو خيارنا ومصيرنا وإلا لن تقوم لنا قائمة بعد ذلك ...


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com        
 

السبت، 26 يوليو 2014

إغتراب العقل ..!!

إن نظرة أي فرد منا الى نفسه والأخرين والمحيط الخارجي والى الحياة والوجود بشكل عام تحددها مجموعة عوامل ومعطيات منها المادي والروحي والثقافي والإجتماعي والبيئي إضافة الى تفاعل الشخص مع محيطه من أصدقاء وعائلة وعلاقات عمل ونشاطات فردية او جماعية ..

لكن العامل الأبرز واللاعب الأخطر في جملة هذه المعطيات والعوامل هو العقل والفكر فهو من يقوم بهضم وأرشفة وتصنيف هذه العوامل والأسباب والمسببات وإعطاءها الأولوية او الثانوية من حيث الأهمية والتأثير وبذلك يكون له التكوين الحقيقي للشخصية المنفردة ومدى تمايزها ودرجة الوعي في التفاعل مع المحيط الخارجي .

وبنظرة فاحصة ومتأنية لهذه الظروف والعوامل والمسببات نلاحظ التأثير الأكبر للعامل الروحي ومن بعده البيئي والإجتماعي على شخصية الفرد التي تنعكس بدورها على وجوده في المجتمع .؟؟

فالفرد منا وقبل تحوله الى شخص له شخصية تميزه عن الأخرين ومنذ نعومة أظفاره يكون عجينة لينة وعقله عبارة عن لوحة فارغة وبيضاء يكتب عليها السيء والجيد والرديء والمثالي من الأفكار والمعطيات والمفاهيم والأخلاق بإعتبار هذا الفرد عجينة خام وطرية تكون متأثرة ومستقبلة لكل شيء وهنا تكمن الخطورة وتتجلى الحساسية والخصوصية في هكذا موضوع .

فما يتم زرعه وغرسه من أفكار إيجابية وبنّاءة ستنعكس إيجاباً على تكوين شخصية متوازنة وفعّالة في المجتمع والحياة العامة وعلى شخصية الفرد وحياته الخاصة   .

أما في حال زرع وبث أفكار سلبية ومشوهة ومغلوطة فستنعكس سلباً وتعطينا شخصية مهزوزة وكئيبة وسلبية ومهمشة ستكون عالة على الفرد والمجتمع ككل .

وأكثر هذه العوامل والأسباب تأثيراً وإعمالاً وتفعيلاً هو العامل الديني والروحي والذي له تأثير كبير على حياة الفرد ومن وراءه المجتمع فالأفكار والعقائد المغلوطة والمتطرفة ستعمل عملها في وعي ولاوعي هذا الفرد او ذاك وستعمل عملها السلبي والتخريبي والتهديمي في الفكر .. ليشب هذا الفرد وهو يحمل برنامج فيروسي خطير ويعاني من انفصام شخصي بين ما تشربه واستقبله من أفكار وعقائد سلبية ومشوهة وأُحادية الجانب وشمولية التوجه ستنعكس على سلوكه وتصرفاته وأداءه وعلى تفاعله وتعامله مع الأخرين وحياتهم ومعيشتهم ..!!

فالشخص الذي يحمّل أفكار وعقائد دينية او أخلاقية متطرفة ومشوهة ومغلوطة سيكون بمثابة قنبلة موقوتة مستعدة وقابلة للإنفجار والإنشطار في وجه كل من يخالف رأيه او معتقده او سلوكه حتى .. المشوه أصلاً وسيكون بذلك آفة ومرض إجتماعي خطير سيودي بحياة الكثيرين الى الدمار والإنهيار وستراق دماء لا ذنب لها ولا إثم .

فهذا الشخص وما يعانيه من إغتراب عقلي وفكر ظلامي تخريبي هو أداة سهلة التحكم والتوجيه والسيطرة عليها وإستغلالها في مآرب ومشاريع تخريبية هدامة لأنه وبمجرد إشتداد عوده وبلوغه سيعاني من إنفصام وإغتراب فكري وعقلي بين ما تربى ونشأ عليه وما يعيشه في  خضم المجتمع والواقع وسيتولد لديه إعتقاد بأنه ولدَ في المكان والزمان الخاطىء وسيكون هدفه الذي سيسعى الى تحقيقه هو تصحيح الوضع القائم والذي يعتبره خاطىءً بأساليب عنفية وقمعية وإقصائية ..

فهو لن يقبل الحوار والنقاش في أمور يعتبرها بديهيات ومسلمات زرعت في فكره منذ صغره وفي غفلة من الزمن لأنه لم يُربّى على تقبل ما هو مختلف ومغاير عنه او عن أفكاره وسلوكه فهو فاقد للمرونة في التعاطي مع الأمور والظروف والأوضاع المتغيرة والتي هي من طبيعة البشر والحجر ..

وهنا تكمن المشكلة والطامة الكبرى فشخص كهذا يحمل أفكار وعقائد تتلائم مع عصور الجاهلية وعصور ما قبل التاريخ والتي لا تتلائم  او تتناسب بأي شكل من الأشكال مع ظروف ومعطيات هذا العصر الحديث بما فيه من تطور هائل للعلوم والمعارف والتجارب والأفكار وحتى المعتقدات والمسلمات ..والفضائل ..؟

والنتيجة ستكون أمراض خطيرة يعاني منها المجتمع ويدفع ثمن فاتورتها الناس البسطاء الأبرياء والتي لا ناقة لها ولا جمل في ذلك سوى أنها تشربت وأُشبعت بمعتقدات وأفكار تُحدثهم وتُخبرهم أن هذا من عمل السماء وأن القدر لا بد سيعمل عمله في مصائر البشر ...!! مع أن العمل بخيره وشره بسلبياته وإيجابياته هو عمل الإنسان بأخيه الإنسان سلباً او إيجاباً .. بناءاً او تهديماً  .

فالمقدمات الخاطئة حتماً ستؤدي الى نتائج خاطئة وربما كارثية لا محالة هذا هو منطق الأمور والأحداث والتاريخ مليء بشواهد على ذلك لا مجال للحديث عنها ههنا ..

وبعد أن تحولت حالة الإغتراب العقلي والفكري الديني المتطرف الى حالة جماعية وظاهرة عامة لا بد من التصدي لها بحزم وجدية .. والحل برأيي المتواضع هو إعادة النظر الى مفاهيم دينية متأصلة في وجدان المتدينين ... كمفهوم الجهاد في سبيل الله ..

لا بد من تسليط الضوء على هذه التصرفات والسلوكيات التي تُنسب الى الجهاد ومبدأ الثواب والعقاب عبر تحديث نظرة الإنسان الى الجهاد وإعتبار الجهاد هو في سبيل الإنسان الأخر في هذه الحياة .. والجهاد الحق هو عمل ما هو في صالح الإنسانية والبشر ككل وهذا بدوره يتم عبر تكريس الوعي الإجتماعي والحس الأخلاقي عبر مؤسسات الدولة والمجتمع والإعلام لنشر ثقافة الوعي ونبذ التطرف بكافة أشكاله الدينية والسياسية والعقائدية كافة ..

ومراقبة دور العبادة والمناهج التربوية الدينية والعمل على إبعادها عن الحياة العامة وإبعاد وإقصاء كل فكر تطرفي وظلامي وتخريبي يعمل عمله في الخفاء للحد من هذه الظواهر السلبية حتى نصل بالمجتمع الى حالة من الوعي الوطني يكون الولاء فيه للوطن والإنسان قبل الديانة والطائفة وحتى الآلهة ... مجتمع يحترم الإنسان وحقوقه ومبادئه وحق الأخر في الإختلاف عنا والإعتقاد أيّما يكن ( عملاً لا قولاً ) والتعامل بمرونة مع الوقائع والأحداث حتى لا نصل الى مرحلة لا يمكن تداركها او تحمل نتائجها الكارثية ..
وبذلك نكون فقدنا وجودنا وذواتنا وشخوصنا ..


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
                                                             
                gmail:ihabibrahem1975@gmail.com        
 






الجمعة، 18 يوليو 2014

ثقافة الغيب ... ثقافة أوف لاين

عند النظر الى ثقافة الانسان العربي والشرقي تحديداً نلاحظ الكثير من التأثيرات الدينية والاسطورية والتراث القديم المتراكم في العقل اللاواعي الجمعي فهي مزيج من ثقافة البدو وثقافة الانسان القديم وخاصة بلاد الشرق الاوسط وبلاد ما بين النهرين وهي ثقافة غيبية بكل المقاييس لا تعتمد على التجربة والبرهان المادي والعقلي ..

لنأخذ مثلاً ثقافة او مصطلح الخير عند تلك الشعوب فقد ارتبط بالعديد من الاحتياجات المادية اليومية للبشر ومنها خاصة امرين اساسيين الا وهما الخبز والمطر حيث كان لهما دلالات رمزية عديدة مازالت حتى عصرنا هذا تعتبر من ثقافة الانسان الذي يتفاخر بتمدنه وسعة إطلاعه .
فالمطر هو رمز الخير والعطاء وبالتالي كل مطر هاطل من السماء العليا لا يحمل الا الخير المطلق لأولئك العبيد المساكين (سكان الارض) وهذه المعتقدات تم توارثها من الديانات الخصيبية في بلاد ما بين النهرين اضافة الى الثقافة البدوية التي كان هاجسها البحث عن الماء وبذلك تمت الاشارة الى المياه وتحديداً المطر بالخير ..

فاصبح المطر يرمز الى الخير المطلق رغم ما قد يحمله من كوارث واعاصير وفيضانات مدمرة (تسونامي )قد تدمر البلاد والعباد بأسرها فالمطر في الثقافات والديانات القديمة هو الخير الذي يرسله رب الامطار والخصب (تموز او بعل او يهوه او ...) ليلقح الارض الانثى وينعم عليها بفضائله..
مازالت ثقافة المطر (الخير ) موجودة في كل الديانات حتى السماوية او الفضائية حتى يومنا هذا مع العلم ان العلوم الحديثة قد قالت كلمتها في هذا المجال فالمطر هو ظاهرة طبيعية تحدث عند تبخر مياه البحار والمحيطات وتتحول الى بخار الماء وتصعد الى طبقات الجو العليا وتتكثف على شكل غيوم مشبعة بالأبخرة وبعدها تبرد وتتساقط على شكل امطار وهي بذلك تهطل على الاخيار والاشرار على حد سواء ولا علاقة لارادة السماء بذلك ..
كذلك الرعد الذي كان يعتقد انه صوت الاله الغاضب على البشر بحيث يستخدمه للانتقام من خصومه السياسيين والغير تابعين له في اهواءه وهو الاخر ظاهرة فيزيائية تحدث نتيجة تلاقي شحنات كهربائية سالبة واخرى موجبة وليس صوت الرب الغاضب على عبيده .

اما بالنسبة لصديقنا الخبز فله قصة طويلة فهو يرمز الى الوفرة والامن والاستقرار وبالتالي الى الخير من الوجه الاخرللقضية لناخذ المثال التالي والبسيط وهو يصادفنا بشكل يومي .. عند مرورك في الطريق قد ترى العديد من الفضلات المرمية على الارض ولتكن خبزاً وتفاحاً وقطعة شوكولا او بسكويت .. فالتصرف اللارادي واللاواعي من الانسان المتدين او العربي المحمل بثقافة الغيبية والقدرية المتوارثة وبشكل تلقائي يلتقط قطعة الخبز بإعتبارها نعمة اي (خير) ويهمل او يتغاضى عن بقية المواد الاخرى الملقاة على الارض رغم ما تحمله من قيمة غذائية في اغلبها انفع وافيد من الخبز ومن الثقافة التي تحملها لكن الذي لا يعيه هذا العقل المتكلس هو ان الخبز ومن وراءه القمح هو المقصد فللقمح دلالة رمزية في الموروث الشعبي القديم والمقدسات السابقة فهو رمز للوفرة والعطاء المقدس التي باركتها الالهة القديمة وذلك نتيجة طقوس العبادة المقدسة والجنسية التي كانت تمارس من قبل اتباع تلك الديانات تقرباً للالهة من اجل كسب ودهم ورضاهم حتى يباركو محاصيل القمح التي كانت مصدر عيشهم وقوت يومهم بعد استقرارهم في مجتمع زراعي وهجرهم لاعمال الصيد والقنص ..

وقد بقيت تلك الثقافة الموروثة بعد اختراقها العقائد والديانات السماوية والفضائية في اللاوعي والعقل الجمعي للبشر وتنتقل من جيل الى أخر ونرى العديد من دلالاتها واضح المعالم (فالمسيح جسده يرمز الى الخبز والاسلام ضرب الامثال في حبة القمح واليهود ومأثرهم العجيبة وقصة نبيهم يوسف مع سنابل القمح ..) الى اخر ذلك من حوادث ومواقف درامية عجيبة ..

ان هذه الثقافات والافكار التي تسربت الى عقول البشر وانتقلت كما تنتقل الصفات الوراثية بحيث اصبحت تشكل ملامح شخصية اساسية في كيان الانسان .. انها كالوهم او المرض الذي يعشعش في الجسد والعقل رغم ان البعض يعلم حقيقتها ومكانتها الا ان الاصرار والمكابرة على اعتناقها رغم عدم صحتها يرجع الى سبب رئيسي هو نرجسية العقل البشري المشبع بالافكار الدينية الغيبية التي تعتمد على الاسطورة في بنائها الدرامي والذي لا يقبل الاعتراف بالخطأ حتى لا يقع ضحية وهم وسراب لطالما كان يشكل له أماناً وموطىء قدم يحميه من ضياع الشخصية التي لطالما اعتادت الأتكالية ..
علينا النظر الى الامور من منظار أخر ألا وهو الانسان فالانسان هو مصدر الخير او الشر لان الافعال التي تصدر عنه تكون خيَرة بقدر نفعها للناس وشريرة بقدر تسببها بالضرر للاخرين ..

يجب عدم إلغاء دور الانسان في تقييمنا للامور على اساس الخير او الشر فبالنهاية هذا وصف اخلاقي وتقييم موضوعي للعمل الانساني والمعيار هو النفع او الضرر الناتج عن ذلك وهذا بدوره يشكل نقطة انطلاق للبناء عليها في اعادة تشكيل المفاهيم للحكم على الناس بغض النظر عن توجهاتهم الدينية او الغيبية التي لا تنفع ولكن قد تضر في اعاقة مسيرة التطور الحضاري والانساني باستخدامها لأدوات وأليات عفى عليها الزمن واصبحت من الماضي البعيد ولا تلائم عصر العلوم الحديثة..


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
             
              gimail:ihabibrahem1975@gimail.com
 

الاثنين، 7 يوليو 2014

خطوة الى الأمام ..!!

في البداية وقبل الحديث عن اي موضوع يتعلق بالسير نحو الامام لا بد لنا من ادراك حقيقة ثابتة الا وهي ان علينا اصلاح نمط التفكير قبل المضي في اي عمل سواء اكان سياسيا او فكريا او اجتماعيا فالافكار المسبقة والمعلبة والجاهزة التداول لا بد من اعادة صياغتها وهيكليتها حتى نخطو الحطوة الصحيحة فالمقدمات الصحيحة تؤدي الى نتائج سليمة وبالتالي قبل المضي في اي حوار مع اي شخص او جهة ما لا بد لنا من الاعتراف بالاخر وهذا بدوره يقودنا الى حقيقة اخرى الا وهي حق الاخر في الاختلاف عنا في طريقة تعاطية للامور وطريقة تحليله للوقائع .

طالما كانت لا تتخذ طابعا عنفياً واقصائياً وبهذا نكون قد اسسنا لارضية مشتركة للحوار تكون قاعدة للانطلاق في اي نشاط انساني يكون الهدف منه الفائدة للجميع وهذا بدوره يدعم ركائز وقواعد التشاركية التي يجب ان يبنى عليها اي مجتمع او امة ما فنحن لسنا الوحيدين الذين نمتلك الحقيقة الكاملة وبالتالي لسنا الوحيدين الذين لنا الحق بالتعبير عن افكارنا وارائنا فقط كنتيجة لتميزنا او لافضليتنا بالعيش فهنالك العديد الذين نتشارك معهم الهواء والسماء والنجوم ذاتها وبالتالي كما لنا الحق في ابداء اراءنا للاخر الحق في التعبير عن اراءه مهما كانت هذه الاراء او الافكار غريبة عنا فغرابتها لا ينفي وجودها او عدم قابليتها للوجود وبالتالي على كل شخص ان يكون مستعدا لتقبل اي فكر مهما كان غريبا عن نشأته او توجهاته طالما كان هذا الفكر بناءا وخلاقا حتى ولو خالف قناعاتنا فالنتيجة التي اسعى الى ترسيخها هي ان الافكار يجب ان تكون في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة الافكار

لاننا قد نصطدم ببعض الافكار المتطرفة التي يخشى من تحولها الى ايديولوجيا قد يساء استعمالها وبالتالي نتحول الى عبيد في خدمة هذه الافكار وخدمة من هم ورائها وبدون ان ندري نصبح ادوات والات جاهزة للانفجار في وجه كل من يعارضنا او يخالفنا في الرأي وبهذا نتحول الى عقبة في وجه اي عملية بناء حقيقية ونصل بذلك الى نقطة اللاعودة وتفرض علينا معركة هي بالطبع ليست معركتنا ولا هو موقعنا الذي اردنا ان نتخذه في هذا العالم المتسارع التطور

ونصبح فجأة خارج سياق التاريخ والحضارة ونكون بذلك القينا بانفسنا الى التهلكة من دون ان ندري او نقصد وهذا ما يؤكده قولي السابق ان المقدمات الخاطئة تؤدي حتما الى نتائج خاطئة وقد تكون كارثية في اغلب الاحيان لذا علينا التحلي بالمرونة وقابلية التغير وتطوير كافة معتقداتنا بحسب تغير وتطور الواقع المعاصر والذي يقدم لنا في كل يوم امورا جديدة تفرض علينا ان نواكبها وان نسعى الى ان نكون سباقين في نظرتنا ورؤيتنا الى الحاضر والمستقبل حتى لا نصطدم بواقع مر وقاسي وبالتالي نصبح هامشيين ومنبوذين ونخرج من حسابات الاخرين بطريقة او باخرى ....


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com
 

الاثنين، 16 يونيو 2014

لا تخجل فأنت ملحد...

 

 الإلحاد برأيي هو موقف إيجابي أكثر منه سلبي كما يظن الكثير من الناس لأنه في المقام الأول هو حرية أختيار لأمر ما ... وثانياً هو رفض لنوع من الإستبداد الفكري والعقائدي الذي تمارسه السلطة الأبوية او الدينية في توريث الثقافة الدينية وبالتالي إن الذي يحصل هو الأتي إننا نرث ثقافتنا الدينية كما نرث أسمائنا او نرث لون عيوننا او هيئة شعرنا وطول قامتنا .... فأين دور العقل والإرادة في إختيار ما نريد أن نكون عليه وبالتالي الشخص المتدين او المتشدق بالتدين ما هو إلا شخص من صنع الأخرين ومسلوب الإرادة وخاصة أن التلقين يتم في مراحل مبكرة من العمر وبذلك يصعب معه رؤية الألوان الأخرى او الثقافات المختلفة ومع مرور الزمن يصاب الشخص المتدين بنوع من التكلس الذهني والرعونة في الأخذ والرد ومع تراكم الفجوة بين المتدين الى حد التطرف وبين الأخرين يتحول رويداً الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت متى توفرت لها الأسباب والشروط الموضوعية والظروف المادية ...

لكن في المقابل نرى الملحد او اللاأدري شخص منفتح على كل الأراء والثقافات وهو غيرمتعصب الى تيار فكري او ديني محدد وهو بطبيعة الحال أكثر ليونة ومرونة في التعامل وبالنتيجة لا يمكن أن يتحول في يوم من الأيام الى قنبلة موقوتة آخرى كما رأينا في المثال الأول حتى إنني أكاد أجزم أن أحد منّا لم يسمع او يرى لا على الأرض او على شاشات التلفزة او عبر مختلف وسائل الإعلام أن احد العلمانيين او الملحدين قد فجر نفسه في سيارة مفخخة او قام بحمل السلاح في معركة فكرية طمعاً بالشهادة او إعلاءاً لكلمة الرب القابع في السماء ...أو إنتقاماً وتشفياً من الأخرين لسبب ما او لشعوره بالنقص أو الدونية ...!!

من هنا نرى الفارق بين النتيجتين في كلتا الحالتين فالأول يتحول الى أداة للقتل والعنف والإرهاب والإنفجار والإنشطار ... والثاني يتحول الى انسان مدني عقلاني متحضر بشرط أن يلتزم بمبادىء حقوق الإنسان والعدالة واحترام القوانين التي من صنع البشر والقابلة للتعديل والتبديل بأي وقت اذا ما اصبحت عائقاً في وجه التقدم البشري والعلمي ....

قد يعتقد البعض إنني ضد الأديان بشكل مطلق ... هذا فيه تجني ومبالغة  ولكن الموضوع يحتاج الى القليل من التمحيص إن الإيمان في مطلق الأحوال ينبع من القناعة فحين تقتنع بشيء ما تؤمن به ..ويكون ذلك مترافقاً بأدلة قوية وقطعية لا تقبل الشك العقلي فبغياب الأدلة القطعية لا بد لمنطق الشك والبحث والتمحيص من أن يأخذ دوره وفعله في مطلق الأحوال ...  أما في حالة شخص مثلي فالأديان بما فيها من تناقضات وإرهاصات تصيبني بالغثيان  ولكن الأمر إنني شخص أُحب أن أكون إيجابياً الى حد ما فالأديان سواء أخذت بها او لا هذا لا يلغي حقيقة أنها موجودة والكثير من البشر يعتبرها غاية الحياة ويسيير حياته على أساس خدمة الدين وإعلاء كلمته وإظهارها على بقية الكلمات ... المهم ان لا تتسبب هذه الخيارات والمواقف المتشبسة المتشنجة بالضرر للأخرين والآسى والحزن للكثيرين ....

لكن الواقع المر يعكس بخجل حقيقة إستخدام الإديولوجيا الدينية وتأثيراتها على عقول البشر المؤدلجة بطريقة التدجين والتعليب ومن ثما يتم فتح تلك العلب المنتهية الصلاحية أصلاً ليتم بها محاربة كل ما هو جميل ومتمدن وسلمي في هذه الحياة بإسم الدين والإله ..؟؟

الحل لهذه المشكلة هو بسؤال مباشر وواضح (أيهما أهم في هذا العالم الإنسان أم الأديان ) او بتعبير آخر أيهما يجب أن يكون في خدمة الأخر هل الإنسان في خدمة الأديان أم يجب أن تكون الأديان في خدمة الإنسان ؟؟؟؟؟

الجواب بسيط جداً ولا يحتاج الى فلسفة او علم فلك وكأنها معادلة رياضية بمجهول واحد من الدرجة الاولى ... الأديان وجدت او صُنعت لخدمة الإنسان أي انسان ..!!!!

لنفرض جدلاً أن الإنسان قد إنقرض من على وجه الأرض لسبب ما فهل سيتم إعمار الارض وبنائها بالأديان المقدسة او غير المقدسة ؟؟؟
ومن تراه سيقوم بإحياء الطقوس الدينية وهلوساتها المتطرفة وبهرجاتها المتصنعة ..!!

لنعكس الحالة لو أن الأرض تم تطهيرها من كافة أشكال الثقافات الدينية والمقدسة ...

فالحياة ستستمر وبكل تأكيد وسيستمر الإنسان المتمدن بالبناء والتطوير .... متسلحاً بالعلم والعقل والإرادة والأخلاق والقانون الإجتماعي القابل للتعديل والتبديل تبعاً لتطور وتعقد الحياة وتغير تفاصيلها .. واريد أن أركز هنا على مسألة الأخلاق والتي يعتقد الكثير منا أنها من صنع الثقافة الدينية لذلك يرفعون السيف والسياط في وجه كل صوت معارض لها .. لكن الحقيقة غير ذلك تماماً فالإنسان ونتيجة تفاعله مع الأخرين من بشر وطبيعة ومنظومة علاقات توصل الى مجموعة من المبادىء الاخلاقية التي تصلح لكل زمان ومكان حتى تثبت فشلها ومخالفتها للواقع بالتجربة والممارسة العملية لذلك فالأخلاق هي نتيجة طبيعية لتطور وتمدن فكر الإنسان وممارساته وسلوكياته ..

فالنتيجة النهائية والوحيدة هي أن الإنسان هو الأهم والأسمى في كل المبارزات او المقارنات ولأنه جوهر هذه الحياة ولا يعلو عليه أي مقدس او سماوي فهو الوجود واللاوجود .....بكافة تفاصيله وتجلياته ..

وبالمحصلة فعلى الشخص المتدين أن يعيد النظر ويمعن التفكير في نظرته الى المقدس وفي نظرته الى الإنسان الأخر ليعرف الفرق قبل أن يقوم بالتصرف الخاطىء ويندم اذا تبقى له متسع من الوقت للندم وتوبة الضمير ......


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com

الجمعة، 6 يونيو 2014

قف .... الفساد أولاً.!!!!

كثر الحديث مؤخراً عن الفساد وأسبابه وأشكاله ونتائجه في المجتمع السوري على الصعيد الشعبي والرسمي وأصبح حديث الناس جميعاً في هذه الفترة العصيبة من عمر الأمة السورية وفي ظل الصراعات والإصطفافات العشائرية والمذهبية والطائفية وحتى السياسية من موالاة ومعارضة .
فالكل أصبح يتقاذف هذه الكرة من ضفة الى أخرة وكأنها أصبحت اللعبة الشعبية والرياضية الأولى في البلاد وتمر الأيام والكل يدلي بدلوه في هذا الموضوع ولكن النقطة الجوهرية أن هذه الكرة تتدحرج ككرة الثلج وتكبر حتى أنها أصيبت بالتخمة .

لا بد لنا قبل الحديث عن ظاهرة الفساد وأسبابها ومظاهرها وتجلياتها من أن نكون موضوعيين وعقلانيين في توجهاتنا وتفكيرنا ونظرتنا الى الأمور .. فأي نشاط أو سلوك بشري عام كان أو خاص فردي او عمومي بإعتباره يتعامل مع الناس بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم وأنماط تفكيرهم سيكون له نتائج على الصعيد العام والخاص وهذه النتائج لن تكون مرضية وإيجابية بشكل كامل من قبل المجتمع  وسيكون لها مؤيدين ومعارضين..

فلكل عمل ونشاط إنساني لا بد من هدف يتم السعي لتحقيقه خلال فترة وضمن برنامج عمل وطني هذا ضمن نطاق العمل المؤسساتي والحكومي وبالتالي بقدر ما نكون إيجابيين وواقعيين في تعاملاتنا مع العمل الخاص والعام بقدر ما نبتعد عن الفساد بشكل أو بأخر .
وبنظرة شاملة لأسباب الفساد وتجلياته نرى أن له العديد من المسببات والمسوغات التي ينمو ويترعرع من خلالها :

- الفساد الأخلاقي وهو من أولى أسباب الفساد فالمنظومة الأخلاقية للفرد والأسرة والتي تعتبر الخلية الاساسية للمجتمع أذا لم تكن محصنة وعلى درجة من الوعي والحس الوطني بالمسؤلية وهذا يتم بناءه عبر العديد من الوسائل والتدابير المتلاحقة والمستمرة ومنها تغيير العقلية التي تدار بها المؤسسات التعليمية في البلاد والعمل على تلقين الأجيال الناشئة مناهج تربوية يكون برنامجها الرئيسي هو زرع الحس الأخلاقي والنزعة الى السمو والرقي في التعامل بين الانسان والأخر إضافة الى تنمية وتشجيع الشعور الوطني والولاء للوطن والبلاد وليس تقديس الأشخاص والزعماء ..
أيضاً على الأجهزة الأعلامية  ووزارات الثقافة والتعليم والمؤسسات التربوية وفعاليات المجتمع المدني والأحزاب الديمقراطية ان تلعب دوراً فاعلاً في تنمية الوعي الشعبي بتسليط الضوء على الفساد والمفسدين وإظهارهم كأشخاص منبوذين إجتماعياً .

- وبالحديث عن الفساد السياسي حدث ولا حرج فالوضع الذي نعيش فيه الأن بما يحتويه من متناقضات ما هو إلا نتيجة سياسات الإقصاء والتفرد في السلطة وإدارة أجهزة الدولة بطريقة ريعية بإعتبار الدولة وكأنها جابي للضرائب تعمل على جني المحاصيل بطريقة بدائية وتوزيع تلك الغنائم على رجالها وعمالها  لتحقيق مكاسب رجالات الدولة على حساب حقوق المواطن صاحب الحق الأصلي ..
فغياب التوازن السياسي بين حكومة تحكم ومعارضة تعارض وتشير الى مكامن الخطأ وتكشف أساليب الهدر سرقة المال العام هو ما كرس سياسات الفساد لعقود عديدة حتى أصبحت ظاهرة الفساد ثقافة من الثقافات .

- والفساد الإقتصادي ليس ببعيد عن توأمه السياسي فعبر التاريخ كلنا يعلم هذا التزاوج الكنسي بين الاقتصاد والسياسة فكل منهما هو نتيجة للأخر وبنفس الوقت هو مسبب له فالفساد السياسي سينشىء طبقة وحاشية من رجال الأموال التي تمتص اموال ودماء البلاد والعباد وبالمقابل هذه الطبقة الأقتصادية وصاحبة رؤوس الاموال بما لها من ثقل وتأثير تستطيع السيطرة والتغلغل في الطبقة السياسية وحرف مسارها لتحقيق مصالحها ومكاسبها وكل ذلك على حساب الشعب والمواطن البسيط وقوت يومه وحتى أحلامه .

- والفساد الإداري سيكون النتيجة الحتمية للفسادين السياسي والاقتصادي فمع وجود سياسات خاطئة وعشوائية ومنحازة الى صفوف الفئة القليلة أي أصحاب رؤوس الاموال على حساب الغالبية الساحقة من أبناء الشعب إضافة الى القوة والنفوذ والتأثير الذي يلعبه المال في زرع حالة من الأحباط والتململ وعدم الشعور بالرضى بسبب الوضع المشوه والغير طبيعي الذي وصل اليه البلد والمواطن وبذلك شيئاً فشيئاً ستضعف الرقابة الذاتية الأخلاقية لدى الفرد والمواطن أينما كان موقعه وبالتالي سيلجأ الى الأنحراف والاختلاس والسرقة والرشوة عبر التلاعب بين ثغرات القوانين والتعاميم والبلاغات ..

فالفساد هو حالة تراكمية وسلسلة متوالية أصبحت تثقل كاهل الدولة والفرد على الحد السواء وهي كالأمراض السارية التي تصيب الجسم البشري لذلك للتخلص من هذه الظاهرة لا بد من إتخاذ خطوات جدية وجريئة ومنها :

فعلى الصعيد السياسي لا بد من إعادة النظر في القوانين الناظمة للحياة السياسية ومن أهمها قانون الأحزاب فالقانون الحالي لا يلبي الغاية المطلوبة ويحتاج الى تطوير لتحقيق أكثر عدالة ومساواة لكافة القوى السياسية الموجودة والتي ستنشىء مستقبلاً إضافة الى وضع دستور جديد وعصري ويكون أقرب الى المدنية ومنطق الدولة الحديثة يعمل على تكريس الحس والواجب الوطني وتنمية شعور الفخر والولاء للبلاد أولاً وآخراً..

وعلى الصعيد الأقتصادي تبدأ هذه الخطوة بالمحاسبة الجدية والعلنية لكل المفسدين والمتلاعبين بأموال الشعب ومصير البلاد ورفع الغطاء وتعرية هؤلاء مهما كانت مواقعهم وإنتمائاتهم وإرتباطاتهم  لتحقيق مبدأ الردع العام طالما الغاية والهدف هو المصلحة العامة للبلاد والعباد والعمل على إلغاء الإحتكارات الإقتصادية التي تقضي على طبقة التجار الصغار والمتوسطين ..

إعطاء دور فاعل وأكبر للسلطة التشريعية وذلك عبر إنشاء مجلس أخر رديف بمجلس الشعب طبعاً لن نقف عند التسمية ؟؟
ويكون لهذا المجلس سلطة الرقابة والإشراف والمتابعة لكافة القوانين والتشريعات التي تصدر عن مجلس الشعب والتي تقوم الحكومة بترجمتها الى برامج عمل وقرارات إدارية وفي هذه المرحة بالتحديد تتم تميعة القوانين والقفز عليها عبر ما يسمى بالبلاغات والتعاميم والتعليمات التنفيذية لنصل الى نقطة تصبح فيها أن السلطة التنفيذية هي من يسن ويشرع ويعطي الحقوق

لذلك فأكذوبة فصل السلطات أنا لا أؤيدها على إعتبار أن السلطة الوحيدة التي يجب أن تحكم في البلاد هي سلطة الشعب وهذا يتطلب أن يقوم الشعب عبر ممثليه بالتدخل في كل شؤون ومفاصل الحياة بما فيها عمل السلطة التنفيذية والتي يفترض أن تعمل لخدمة الشعب لا لخدمة مصالح فئة ضيقة وهذا يتم تحقيقه عبر مجلس موازي لمجلس الشعب كما أسلفنا ويكون رقيباً على أعمال الحكومات وعلى صلة مباشرة بالناس والأعلام ..

وبهذا ستكون السلطة التنفيذية تحت الأضواء ولن تعمل في الظل والخفاء ولن تتشدق وتتحجج بحجج وذرائع فارغة تملأ بها رؤوس الناس لتبرير فشل سياساتها وعجزها وبالتالي هذا يفترض أن من يمتلك البرامج والآليات التي تلبي رغبات المواطنين وتحقق لهم متطلباتهم من دون منة أو تكلف ستظهر وبشكل حر وديمقراطي لأن الأصلح والأقدر على العمل سيكون هو المدعوم شعبياً وجماهيرياً ..

أما على الصعيد القضائي فلا بد من إعطاء القضاء الدور الحقيقي والريادي المسلوب منه لصالح المؤسسات والجهات الأمنية والتي مارست عبر عقود سياسات الرعب والإرهاب الفكري والإقصاء القانوني حتى أفرغت القضاء من جوهره وبات القاضي يخاف على حياته ومستقبله ولم يعد مستقلاً بقراراته إضافة الى ضعف الدعم المادي فالقضاء مهمة ليست سهلة وإنما هي من أصعب المهمات والخدمات الإجتماعية ولا بد لقطف ثمارها بشكل صحيح من إعطاءها حقها الطبيعي ..

ومن جانب أخر لا بد من القول إن هذه الحلول مجتمعة ستؤدي لاحقاً الى تحقبق وفر في السيولة النقدية والتي ستنعكس على الحالة المعاشية للمواطن العادي والذي بدوره سينعكس من قبله على عمله وواجبه وعلاقته مع إدارات الدولة ومؤسساتها وبذلك سنصل يوماً ما الى الوضع الطبيعي والحقيقي للأمة السورية والتي نتمنى دائماً أن نراها في أفضل حال ولكن المهم أن نبدأ الأن وليس غداً فكلما عجلنا في محاربة هذه الظاهرة والثقافة سنقطف ثمارها بشكل أسرع .. لأن الثمار والإنجازات تكون بالعمل الجاد والمثابرة ولا تأتي بالدعاء والأمنيات والتحديق بالسماء وإنتظار ما ليس آت ....


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com
  

الخميس، 22 مايو 2014

الدين والعلم ... وجهاً لوجه !؟.

إن الدارس للفكر الديني وأدبياته يلاحظ أول ما يلاحظه في خطابه هو هذه الديماغوجية والروحانية المضخمة بشكل كبير فنظرة الدين الى كل شيء إبتداءاً من أصغر مكون وحتى الانسان والموجودات والكواكب تبدأ بالروحي والمعنوي وبالتالي هذا يفترض حتماً وبحسب زعمها أن وراء وجودها هو الألهة القابعة في السماء بما لها وما عليها .انها الدوغمائية بأبها حلتها وهي التسليم بالأزلي والمقدس بدون أدنى منطق علمي أو رياضي او حتى دليل حسي .

وبالتالي فسبب وجود ونشوء كل ما نراه من العالم المادي يرجع في تفسيره الى ذلك المعنوي والروحاني .. وهذا ما أدى الحال به الى ما عليه اليوم من تناقضات هذا الفكر الديني مع العلوم الوضعية .
أما العلم فهو يعتمد المنطق والعقل القائم على الدليل الحسي والبرهان الرياضي كالنظريات والتجارب المخبرية والعملانية والتي تحاول تفسير نشوء الحياة ومنها الأنسان في هذا الوجود المادي .

المشكلة في الفكر الديني انه بدأ بداية خاطئة وبالتالي فمن الطبيعي أن يصل الى نتائج خاطئة لأنه إعتمد على الفلسفة الغيبية والميثيولوجيا إضافة الى شرطي العلة والحكمة فلكل شيء علة وحكمة من وراء وجوده وخلقه (لكل شيء سبب ومسبب وبالتالي هذا يفترض أسبقية المعنوي على المادي ) وقد أستشهد الفكر الديني على أمثلة وشواهد معروفة لدى الجميع ومنها (إن الأثر يدل على الدابة والبعرة تدل على البعير وبالتالي فالمخلوقات والمصنوعات تدل على الخالق أو الصانع )وهذا ما أدى به الى تفسير وجود الأنسان بأنه مخلوق وهذا يفترض وجود خالق وهو يستدل على ذلك من الكتب السماوية (الفضائية) مع إغفال الدين الى نقطة أساسية وجوهرية ألا وهي أنه (لا أحد شاهد منذ بدء الوجود او الخليقة) كيفية ظهور الحياة او الانسان على سطح هذا الكوكب او ذاك حتى ينادي بالخلق أو بالتطور والإرتقاء ..

المشكة الحقيقية هي في بداية النظرة الى الوجود المادي والانساني البشري فان نظرنا اليه على انه مخلوق فالجواب الطبيعي يفترض وجود خالق او صانع ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً لاننا لو نظرنا من زاوية أخرى الى الامر لوجدنا ان هذه الماديات هي موجودات وليست مخلوقات وهنا الفرق كبير بين الاثنين (فلم يعد أحد من الموت ليخبرنا بالحقيقة الفصل )

ان النظرة الدينية الى كل شيء تعتمد الغيبيات وترجىء ذلك الى تدخل سماوي حتى وصولنا الى هذه المرحلة من التعقيد في البنية الحياتية وهذا كله لاعطاء بعد روحي وقيمة ذاتية وقدسية لوجودنا على هذه البسيطة مع ان الامر ربما يكون ابسط من ذلك بكثير لنأخذ مثال صغير ان فرضية الخطاب الديني في صنع الانسان وخلقه ..ان الله خلق الانسان من طين او تراب ومرة من صلصل وفخّار ..؟؟

فهذا يفترض وبعملية تحليل بسيطة ان جسم الإنسان يحتوي على كميات كبيرة من السيليكون والذي يشكل بدوره حوالي (80 %) من التراب المصنوع منه الانسان ولكن لحظة واحدة فقط .. ان العلم الحديث يقول وعبر الدليل الرياضي والتحليل الكيميائي بأن جسم الانسان لا يحتوي إلا على نسبة (0,08 )من السيليكون والذي هو المكون الاساسي للتراب او الطين
هذه إحدى الأمثلة الكثيرة التي قدمها لنا الفكر الديني والتي ثبُت خطائها وفشلها والحبل على الجرار كما يقال ...

المشكلة مع الخطاب الديني انه اغلق الابواب على البحث والتقصي حول نشوء وظهور اشكال الحياة على هذا الكوكب والكواكب الاخرى فهو يقدم افكار جاهزة ومعلبة انتهت صلاحيتها عبر تقادم الزمن بل يقدم نفسه على انه المرجعية لكافة العلوم الفيزيائية والرياضية والمعرفية وبالتالي يفترض امتلاكه للحقيقة المطلقة بالعموم حول معرفته الكلية لكل شيء ونسبتها الى كائن افتراضي غير معروف وواضح المعالم بالنسبة للانسان على الاقل (مع الملاحظة إن كل الكتب السماوية وكتّابها لم يعطوا اي وصف حقيقي ومقنع أو عقلاني لهذه الكائنات وتاريخها النضالي ومواعيد تدخلها او عدم تدخلها في حياتنا والشروط والظروف الموضوعية التي تساعد أو تسرع في عملية ظهورهم وكسرهم لهذا القيد أو حاجز الخجل الذي أوقعوا أنفسهم فيه ...؟؟)

ولكن في المقابل ان العلم ينحو منحى أخر عقلاني وموضوعي فهو لا يدعي امتلاكه للحقيقة المطلقة والكلية ولا يقدم نفسه على انه المرجعية لكل شيء فهو قابل للنقاش والتطوير والبحث والاخذ والرد في كل عصر ومرحلة زمنية وبالتالي عندما يقدم لنا تفسيره حول نشوء الحياة عبر نظريات وحقائق فهو لا يدعي كمالها وقدسيتها وانما يقول لنا بالفم الملأن انه اّخر ما توصلت اليه حتى هذه اللحظة وبالتالي هذا يفترض انه بعد عدة عقود او قرون قد يثبت عدم صحتها او صوابيتها وذلك عبر اكتشافه لامور وتوصله لنظريات أدق واشمل .. وهذا هو الفرق الحقيقي والجوهري بين الاثنين إضافة الى ان العلم لا يلزم احد بتبني افكاره ونظرياته وبالتالي هو لا يرتب اية عقوبة او تبعة على عدم إتباعه او الولاء له بعكس العقيدة الدينية والتي ترتب على عدم إتباعها او انكارها القتل والتقطيع وسوء العذاب من تلك الصور الدرامية التي نراها في ادبيات ذلك الفكر الديني الاقصائي المتناقض مع ذاته ..(مع الأخذ بالعلم ان الدين قدّم كل ما في جعبته وألقى بأوراقه كلها دفعة واحدة ولم يعد يمتلك أي جديد يقدمه .. أما العلم فما زال لديه الكثير من الأوراق والجواكر ليلقيها تباعاً وبشكل مستمر ومتواتر .. وهذا أيضا فرق كبير وجوهري )

ان الصراع الوجودي والمصيري بين الفكر الديني من رجاله وأدواته ومن ورائهم ألهتهم الخجولة التي لطالما تخشى الظهور امام البشر (ربما لانها تخشى الحسد او صيبة العين بحسب معتقداتها هي ) وبين العلم ورجاله الجنود الحقيقيين في الميدان الانساني ان هذا الصراع هو بين من يدافع عن مصالحه ونرجسيته ومكانته الدينية والقدسية والنفعية بإمتياز عبر تعتيم الحقيقة والفكر الحر لمصالح شخصية لبعض الأفراد والمؤسسات الدينية والايديولوجية وبين العلم الذي يحاول البحث عن الحقيقة بأدوات معرفية ورياضية وذلك لتحسين ظروف الحياة والمعيشة عبر نبذه للأفكار اللاعقلانية والعبثية والتي قامت على فلسفة الغيبية والاسطورة والقدرية والاتكالية وبالتالي منطق السلبية واللامبالاة في المجتمع وعلاقة الانسان بالاخر والمجتمع .

ما أعظمك أيها العلم .. انا على يقين بأن العلوم الحديثة ستحقق قفزات ومفاجأت مذهلة ومدهشة ربما في المستقبل البعيد لذلك علينا أن لا نحاول التذاكي على البعض بأن العلوم قاصرة على فعل الكثير لأنه وللحقيقة فأن عمر العلوم الحديثة لا يكاد يذكر فهو لا يتعدى مئات السنوات وبالتالي فهو مازال في ريعان الشباب إذا ما قيس بعمر الأنسان (والذي يقدر بألوف السنوات ) او كوكب الأرض (والذي يقدر بمليارات السنوات والسنين ) على أبعد تقدير .. فالحقيقة لا بد أتية في يوم من الأيام ولكن للأسف لن نكون نحن (أي قارئي هذه السطور) موجودين لنرى الحقيقة ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء ...؟


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com

 

الاثنين، 19 مايو 2014

#الزواج المدني .. ضرورة أم رفاهية ..؟؟

قيل قديماً الانسان عدو ما يجهل لقد صمدت هذه المقولة عبر التاريخ البشري وبالتجربة فالانسان بكل أبعاده وتفاصيله وبغض النظر عن مدى ثقافته ووعيه وإنتماءه الطبيعي او الديني ولذلك وخاصة في مجتمعاتنا العربية تراه يبدي رأيه ويفتي في ما يعلم وما لا يعلم وقبل ان يحيط بكل جوانب القضية وتفاصيلها حتى ترى البعض يجيبون او يعارضون حتى قبل أن تنتهي من طرح سؤالك أي إنهم يطلقون النار قبل ان يرصدوا العدو من الصديق ..!!
إنه زواج مدني أيها السادة .. وليس زواجاً عسكرياً او حربياً .

لقد حظي الزواج التقليدي او ما يعرف بالديني بالكثير من الاهتمام قديماً وحديثاً وأختلط التشريع فيه بين السماوي والأرضي حتى أصبح كنوع من أنواع التابو لا يجوز المس به او الإقتراب منه بإعتباره أصبح عامل استقرار كما يحلو لكثير من رجالات الدين من مختلف الطوائف أن يسموه ويصفوه .

بينما الزواج المدني الحديث العهد نسبيا كتقنين فلم يلقَ الإهتمام من قبل الباحثين ورجال الفقه والقانون إلا مؤخراً وذلك لعدة أسباب منها السياسي او الديني والإجتماعي او الإقتصادي وتشابكاتها وتداخلاتها ولكنه عاد مؤخراً ليفرض نفسه كضرورة في العديد من البلدان لضرورات حياتية وإجتماعية او حتى سياسية بعد أن أصبح يشكل عامل استقرار وتآلف بين أفراد المجتمع المختلط والمتنوع دينياً وإثنياً .

فالزواج المدني على ما عرفته العديد من تشريعات الدول المتقدمة هو عقد زواج بين شريكين من أتباع ديانتين مختلفتين او شخصين من نفس الطائفة أي هو عقد قانوني بين طرفين مختلفين في الجنس والعقيدة الدينية يتم توثيقه في مقر رسمي (الحكومة) وبحضور الشهود والكاتب وبموافقة الطرفين ويقوم على الحب المتبادل والرغبة في تأسيس أسرة تتمتع بكامل الحقوق الإجتماعية والمدنية والإقتصادية أمام القانون ويتم تسجيله في سجلات الدولة وهو خاضع للقواعد القانونية المدنية التي حددها المشرع ويضمن هذا العقد حقوق كلا الزوجين بالمساواة في حالة الطلاق .
فالزواج بهذا المنظور علماني إنطلاقاً من مبدأ فصل الدين عن الدولة وبالتالي فهو يُسقط كل الفوارق الدينية التي تمنع من الزواج او الموجودة في ذهنيات الكثيرين المتخلفة .

وبنظرة شاملة نرى أن معظم دول العالم المتمدن إضافة الى بعض الدول الاسلامية أقرت مبدأ الزواج المدني بإسلوبين إما إلزامي كدول مثل (فرنسا - السويد- سويسرا- المانيا- ايطاليا- بلجيكا - روسيا - رومانيا- النروج- برازيليا اللاتينية )او بشكل إختياري كدول مثل (امريكا - بريطانيا - اسبانيا- اليونان - تركيا )
قد يعتقد البعض أن هذا الزواج عبثي ومن دون ضوابط او قد يشرّع لعلاقات مشبوهة وغير أخلاقية ولكن لحظة عزيزي القارىء ... لا تستبق الحكم فهذا الزواج له شروط يراها البعض أقسى من غيرها ومنها :

1-عدم وجود زواج ثاني (أي أن لا يكون الزوج متزوجاً بأخرى وذلك أنطلاقاً من احترام المرأة وكرامتها )
2-ان يتم الإبلاغ عن النية بالزواج قبل 15 يوماً من تنفيذ هذا الزواج (ليتم الاعتراض من قبل من له سبب وجيه )
3-في حال نشوء أي مشكلة بين الزوجين فعليهم الإنتظار مدة 3 سنوات ويمنع عليهم طرح المشكلة على أي مرجع قضائي قبل انقضاء الثلاث سنوات من الزواج ويسمح فقط في حال (الخيانة الزوجية وفي حال الغش والإكراه )والنزاع طبعاً يطرح أمام المحاكم المدنية .
4-اضافة الى الشروط الاساسية التي يتوجب توافرها في أي عقد آخر كالرضى والأهلية والموضوع والسبب .

ومن جهة آخرى نلاحظ بأن الدين أخذ موقفاً معادياً ومعارضاً من الزواج المدني لأسباب لا يخفى على أحد ذكرها فهو يسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين والدنيا .. ويحد من صلاحياتهم في التسلط على رقاب العباد .

فنرى الدين الاسلامي في غالبية آراء فقهاءه عارض بشدة فكرة الزواج المدني لأنها تتعارض مع مبادىء وأحكام الشريعة الاسلامية وخاصة فيما يتعلق بتعدد الزوجات والسماح بالطلاق وفق شروط معينة إضافة الى منع زواج المسلمة بغير مسلم ومسائل تتعلق بالإرث والحضانة .

أما في الديانة المسيحية فالزواج عندهم سر من أسرار الكنيسة ..؟!!(مع العلم وبحسب رأيي المتواضع إنه شأن انساني وبشري بحت ) ويتم بمباركة رجل دين مسيحي إضافة الى أنه رابط أبدي ( فما جمعه الله لا يفرقه انسان ) فلا يوجد طلاق في المسيحية وإنما إبطال للزواج من هذا المنطلق اعتبرت الكنيسة الارثوذوكسية الزواج المدني غير محبذ بينما ذهبت الكنيسة الكاثوليكية الى موقف أكثر تشدداً وإعتبرت أن الزواج بين مسيحيين كاثوليكيين لاغياً وغير موجود بحكم القانون وخاصة لأبناءها الملتزمين بإيمانهم بالمسيح والشرائع المقدسة وبالتالي فهم يحرموا من تقبل الاسرار ..؟!

فلنبتعد عن الأراء الدينية المعقدة ولنعد الى الحياة المدنية إن الزواج المدني بطبيعته هو أقرب الى الشرعة الدولية لحقوق الانسان وإتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة ويعتبر خطوة هامة لمبدأ تحقيق المساواة بين الجنسين ومحاربة الطائفية البغيضة والتمييز بين الناس على أساس ديني لا ذنب لهم فيه سوى أنهم ورثوه مع العديد من المعتقدات والعادات البالية والكريهة التي قد لا يقتنع بها الشخص ولكن يتم حقنه بها ..

وقبل أن نسمع أصوات التكفير والتكبير من قبل عقليات الإقصاء والتعتيم التي تطلق النار على الزواج المدني وقد تعتبره شيطاناً او ابليساً .. لا بد أن نوضّح بعض الفوارق بين الزواج المدني والديني والتي سنلاحظ بأنها ليست بتلك السوء والدونية بالنسبة الى الزواج المدني بل على العكس فهي قمة التجسيد لمبدأ المساواة والعدالة ..

ففي الزواج الديني علاقة الحب مبدئيا ليست شرطاً قانونياً إضافة الى رضى الطرفين ورغبتهما في الزواج وشرط موافقة ولي أمر الزوجة ..!! وبلوغ سن الزواج وهو 15 عاماً للذكر و13 للانثى سنداً للمادة 18 من قانون الأحوال الشخصية السوري كمثال على ذلك .
ويعقد الزواج الديني في المحاكم الشرعية من قبل مأذون شرعي او كاهن الكنيسة بحسب طائفة الشخص أما تسجيل الزواج فيتم عن طريق الهيئة الدينية التي عقدت الزواج وعلى أساسها يتم تسجيله في السجلات المدنية أما المسكن فهو مشترك وعند المسلمين يلزم الزوج بتأمين المنزل ويحق له إتخاذ قرار السكن بالمنزل لوحده \ واجب شرعي \ والأطفال طبعاً يتبعون دين وطائفة الأب ويسجلون على اسم عائلة الأب .
بالنسبة للإرث يشكل الاختلاف في الدين مانعاً من التوارث مادة 264 احوال شخصية .. كما أن للذكر مثل حظ أنثيين وفي الحقوق والواجبات هناك تمييز بين الرجل والمرأة وخاصة في الطلاق المنفرد ونصيب الإرث .

وبالمقابل في الزواج المدني فعلاقة الحب ليست شرطاً قانونياً وإنما هي شرط توافقي بين الطرفين فلولا وجود هذا الحب لن يكون هناك زواج ويشترط رضى الطرفين ورغبتهما في الزواج دون شرط موافقة ولي الزوجة لأن الطرفين متساوين في الحقوق والواجبات أما سن الزواج فهو 18 عاما ًللذكر والانثى والجهة التي تعقد الزواج هي المحكمة المدنية الواحدة لأبناء كل الطوائف (او البلدية او كاتب العدل كما في بعض الدول) .
ويتم تسجيل الزواج في السجلات المدنية للدولة والمسكن مشترك ولا يقع عبئه على طرف دون الأخر أما بالنسبة للأطفال فيسجلون على اسم عائلة الأب ويتبعون دين وطائفة الأب في حال لم يتم إجراء شطب للطائفة في السجلات المدنية وبالنسبة للإرث فلا يشكل إختلاف الدين مانعاً من الإرث
وفي الحقوق والواجبات لا يوجد أي تمييز بين المرأة والرجل بل مساواة كاملة ويكون الطلاق بقرار مشترك من الزوجين او من أحدهما في حال رأته المحكمة مبرراً ووفقاً للشروط السابق ذكرها ..

وبعد هذا العرض البسيط نصل الى نتيجة بأن للزواج المدني عدة ايجابيات ويقدم حلولا عديدة أهمها :
1-حل لمشاكل ذات طابع عقائدي كعدم استطاعة المرأة المسلمة الزواج من غير مسلم لأنه مخالف للشريعة ..؟؟!!
2-حل لمشاكل الإرث التي نراها في الزواج الديني والذي يمنع التوارث في حال إختلاف الدين بين الزوجين
3-حل لمشكلة الإحتيال على القانون من خلال اللجوء الى تغيير الدين والطائفة للإلتفاف على  شروط الزواج الديني
4-إلغاء مشكلة التطاول على القضاء المحلي من خلال خضوع رعايا الدولة المتزوجين مدنياً الى قانون الدولة التي تزوجا فيها مما يعتبر معه تطاولاً على إستقلالية القضاء
5-وأهم أمر هو أن الزواج المدني يساعد على تحقيق الإنصهار الوطني والإنفتاح بين مختلف شرائح المجتمع وإلغاء الفوارق الدينية المصطنعة أي أنه يحقق المساواة لكل أبناء المجتمع بخضوعهم الى قواعد مشتركة وواحدة .

وفي تشريعنا السوري الخاص بالزواج والذي يعتبره الكثيرون بأنه أقرب الى الزواج المدني ..؟! نرى قانون الاحوال الشخصية يتضمن نصاً عاماً يقول بأن (العقد شريعة المتعاقدين) ولكنه نص عام وأي نص عام في القانون عندما يتعارض مع نص خاص فالخاص يقيده وبالتالي يتم العمل بالنص الخاص .

فقاعدة العقد شريعة المتعاقدين التي تحكم الزواج .. يقيدها نص خاص في قانون الاحوال الشخصية السوري وتحديداً المادة 48 فقرة 2 التي تقول
(إن زواج المسلمة بغير المسلم باطل ..) إلا أن نفس القانون يجيز زواج الرجل المسلم بغير المسلمة أمام المحاكم الشرعية ذاتها .. وهذا تناقض عجيب يذكّرنا بسياسة الكيل بمكيالين ...وهذا البطلان يقضي بأن لا يسجل هذا الزواج في المحكمة أي إن هذا الزواج من وجهة نظر الشريعة هو زنى والأولاد هم أبناء زنى فهو زواج باطل إضافة الى موضوعات آخرى تتعلق بالإرث وحقوق الأولاد .
فلا بد من وضع قواعد مشتركة لكافة أبناء البلد الواحد .. إذا أردنا بناء دولة عصرية قائمة على مجتمع مدني وقانوني

وفي الختام ومن نافل القول لا بد من الإشارة الى أن الزواج المدني بغض النظر عن مؤيديه ومعارضيه يقدم حلول لقضايا ومشاكل ذات بعد اجتماعي وانساني باتت لا تخفى على أحد وخاصة في ظروف بلادنا في هذه الايام ...فالزواج المدني حالة ضرورية وصحية ومطلب انساني بحت لكل انسان يعشق الحرية الحقيقية بصرف النظر عن جنسه او دينه وعقيدته وبغض النظر عن علاقة هذا الشخص او ذاك مع السماء وما لها وعليها ..
فحقوق الانسان أهم وآسمى من كل حقوق الأرض والسماء مجتمعة لأنها ببساطة حياة الإنسان وليست حياة أي كائن فضائي آخر

فالزواج المدني ليس ديناً جديداً او مذهباً قادما ًمن الجحيم ليقض مضاجع رجالات الدين وسماسرتها فهو حق من حقوق الانسان الطبيعية في الإختيار والعيش مبني على العدالة والمساواة يهدف الى بناء مجتمع مدني قائم على المساواة بين كافة الافراد رجالاً ونساء ..فعلينا جميعاً أن نساهم في تشريعه وإقراره إنه يوفر الضمانة الحقيقية لتماسك البلاد .. أفراداً وجماعات بغض النظر عن التقسيمات التي فُرضت او فُصّلت للبشر نتيجة الولادة او الوراثة .. او الجغرافيا والتاريخ العتيق متجاهلة الإنسان بكل أبعاده ورغباته ومشاعره ..

بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com

الاثنين، 12 مايو 2014

صناعة الحرب .. صناعة الموت بإمتياز..!!

إن الدارس والباحث لمنحى التطور البشري والمجتمعي في معظم البلدان وتشابك أو تناقض علاقاتها مع بعضها البعض سيتوصل الى نتيجة حقيقية وواحدة عبر نظرة شاملة بعد تحليل جزئي وعميق وتقاطع المحاور المسببة لكل المشاكل والصراعات والمآسي التي تعاني منها الشعوب والبلدان على إمتداد البسيطة ألا ومفادها أن هناك شيء ما يحدث وراء الكواليس وفي الغرف المعتمة والمظلمة ..؟؟

فالسياسة على إختلاف تعاريفها تهتم بالشأن العام الداخلي والخارجي للفرد والمجتمع عبر تداخلها مع المصالح وعلم الإجتماع والأقتصاد والنمو السكاني والأستهلاك العالمي الى أخر ذلك من عوامل وأسباب ودوافع تتشابك وتتظافر مع بعضها البعض لنشوء أو فناء أو تطور أو تراجع المجتمعات والبلدان .

وهذا ما كان في عمق وصلب إهتمامات وأولويات سادة العالم وحكّامها عبر كافة العصور وخاصة في القرون الاخيرة فحكام وسادة العالم الخفي والسفلي أدركوا أن مفاهيم ومصطلحات كالحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والإستقلال وحق تقرير المصير والسيادة هي مفاهيم وقيم ستعمل على الحد من مصالحهم السادية المتنامية بشكل سرطاني كبير وهذا بحد ذاته معركة ستكون في غير صالحهم على المدى البعيد لذلك عمد هؤلاء من خلال ما يمتلكونه من نفوذ مالي وإقتصادي هائل على التوغل كالفيروس في كل مفاصل الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية .
لقد أصبح الهدف واضحاً أمام ناظريهم ألا وهو السيطرة على أماكن صنع القرار عبر العالم ككل ......!!!!

لقد قام جهابزة وعلماء أولاءك السادة العظام من مفكرين سياسيين وعسكريين وإقتصاديين وعلماء فلسفة وعلم إجتماع وحتى إعلاميين بتقديم دراسات وإعداد تقارير وشروحات تفصيلية عن الواقع الديموغرافي والروحي والديني والإجتماعي والإقتصادي لكل المجتمعات والبلدان لإيجاد ثغرات ونقاط ضعف يمكن إستخدامها والتسلل عبرها للسيطرة على العوالم المترامية الأطراف .

في القرن الماضي وتحديداً عام 1975 تم إجتماع كبار السادة والمفكرين في هيئة أو مؤتمر أطلق عليه اسم (نادي روما) وضع خلاله هذا المؤتمر معادلة تتألف من ثلاثة محاور لتقسيم الواقع ألا وهي : - السكان - توزيع الثروة - الموارد الطبيعية ... إنتهت الى خلاصة مفادها أن عدد السكان في تزايد كبير بينما الموارد الطبيعية على إختلافها في تناقص لذلك فالصراع الحقيقي سيكون على توزيع الثروة أي النفوذ لأن من يمتلك الثروة سيمتلك النفوذ بمختلف الأحوال وبالتالي الحل كان هو الحد من زيادة عدد سكان الأرض عبر وسائل عديدة أهمها :

- صناعة الحروب بمختلف أشكالها الدينية والإثنية والطائفية والعسكرية الأمنية عبر اللعب على الإختلافات العرقية والدينية والمذهبية والجيوسياسية وتحويلها الى خلافات .. أي صناعة الأيديولوجيا التي تمهد لظهور بوادر الحرب والخراب في كل مكان من على سطح الأرض .

وبالتالي هذا يتطلب وجود عدو دائم لكل أمة ومجتمع تتوفر فيه الشروط والظروف الموضوعية المؤهلة لبوادر التناحر والإقتتال عبر تغذية وخلق هذا العدو في كل زمان ومكان من عمر البشرية لذلك ظهرت في العصر الحديث مفاهيم و مصطلحات عريضة كعنوان صراع الحضارات والقوميات مروراً بالعقائد الدينية وكان آخرها عنوان أو مصطلح الأسلام هو العدو القادم الى هذا العالم عبر الأسلام السياسي والمنظمات الإرهابية والتكفيرية التي هي صناعة رأسمالية بإمتياز ..

وللعمل على هذا الجانب كان لا بد من إتباع الوسائل والأليات التالية :
إتباع سياسات إقتصادية إستعمارية عبر إستغلال ونهب ثروات الشعوب والبلدان الغنية بالموارد والثروات الطبيعية ولكنها ضعيفة عسكرياً وأمنياً وهذا بعد أن تكون أنهكتها الصراعات والحروب الداخلية أو الخارجية فتأتي الحلول الجاهزة والمعلبة لتكمل عملية النهب عبر تقديم وصفات إقتصادية يكون لبوثها المساعدات والقروض والتسهيلات الإئتمانية من البنوك الدولية والهيئات الإغاثية التي هي في الأصل أدوات بأيدي أولاءك الشياطين الحقيقيين .

- السيطرة الإعلامية وتتم عبر السيطرة على صناعة الخبر والمعلومة أولاً وتعليبها ثانياً ومن ثمَ تقديمها الى الناس بمفاهيم جديدة وعصرية تناسب مخططاتهم وتلعب على الوتر العاطفي والغرائزي للإنسان والمجتمع ككل ...
فتروج لمفاهيم مثل إن الحق والعيش والبقاء هو للإنسان المنتج والفعّال وهو من يستحق العيش والبقاء ..!!؟؟

مع الأخذ بالعلم إن تلك المجتمعات البشرية هي ضحية ونتيجة للإستغلال والنهب الممنهج عبر التاريخ قامت به تلك الفئات القليلة التي لطالما إعتاشت على إمتصاص دماء البشر ...

كما كان للسيطرة والنهب الممنهج عبر العقود الطويلة أن أدى لتطور تلك الدول عبر إمتلاكها للثروات من أن يؤدي الى لأحتكارها للتفوق التقني والتكنولوجي لوسائل وأدوات الصناعة والإنتاج بمختلف أشكالها مما اتاح لها وبشكل كبير عبر منظماتها وهيئاتها وشركاتها العابرة للقارات من زيادة السيطرة على باقي شعوب المناطق الفقيرة وإقاعها بمآزق وحروب دائمة عبر إيهامها بوجود ذلك العدو الخفي والدائم الحاضر في كل لحظة للإنقضاض على ثروات وتاريخ وثقافة ومستقبل تلك الشعوب المغلوب على امرها .

لذلك فتفاقم الحروب والأزمات وإستمراريتها هو صناعة بشرية شيطانية بإمتياز تمت بدراسة متأنية وبعقل بارد لخلق أزمات عالمية إقتصادية وعسكرية وأمنية في كل منطقة من هذا العالم بهدف بيع وإستهلاك أدوات ومنتجات الحرب ألا وهي الاسلحة العسكرية لإستنزاف خيرات الشعوب والبلدان ليتم لهم الهدف الحقيقي والبعيد ألا وهو تجميع الثروة وأحتكارها بيد قلة قليلة لا يتجاوز عددها المئات في هذا العالم وبذلك تدوم لهم السيطرة والنفوذ المالي المرعب مدعومين بأدوات مرتهنة لهم من هيئات ومؤسسات وشركات تعمل في الظاهر على أن هدفها إنساني بحت لكن في الحقيقة هي تنفذ مخططات مدروسة وممنهجة وبرامج محددة في كل زمان ومكان لخدمة الأسياد ... حكّام العالم وسادته الخفيين .

وفي المحصلة إن التحدي كبير والهدف أكبر على المستوى الإجتماعي والسياسي والإقتصادي لمحاربة تلك المخططات الشيطانية وبالتالي على الدول والمجتمعات التي تود النهوض والتقدم الى ركب الحضارة من الإعتماد اولاً على المخزون البشري الذاتي والموارد الطبيعية في أي بلد وأٌمة وإتباع سياسات واضحة المعالم هدفها إعادة بناء الفكر الأنساني وتكريس مفاهيم الوطن والمواطنة وتشجيع روح الإبداع والإبتكار وتحمل المسؤوليات إضافة الى المحاسبة الجادة في محاربة الفساد والمفسدين وخاصة المرتبطين بسياسات عابرة للقارات هدفها هو خدمة المشروع العالمي الكبير في تفتيت الأنسان أولاً والمجتمع ثانياً عبر صناعتها لثقافة الموت والحرب ...

لذلك فشعارنا في المرحلة القادمة يجب أن يكون هو صناعة ثقافة الحياة والسلام رغم أن التحدي كبير لذلك فعلينا أن نكون على قدر التحدي والمسؤولية وإلا لن يشفع لنا بعد ذلك أي مبرر ولن تقوم لنا قائمة بعد ذلك عبر التاريخ البشري والإنساني ....

 بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com


 

أنت أيها الإنسان ..

أيها الإنسان.. أيها المارد الجبّار.. الثائر المناضل المقاتل الشرس في هذا الكون الشاسع المترامي الأطراف أنت صانع الأمجاد والبطولات والإنتصارات .. الأفراح والمآسي .. الهزائم والإنتكاسات والإنكسارات .
لقد صارعت كل مجاهل الحياة ومفاصلها بعشوائيتها وعبثيتها وتغلبت عليها في الكثير من الأوقات والأحايين  فأنت من أعطيت لتلك التفاصيل قيمتها وأبعادها ..

لك تقرع الطبول والأجراس اليوم وغداً.. لك ترفع القبعات وتنحني الهامات ..
قاطنوا السماء وسكانها المتوارين عنك خجلاً وحياءً لربما يحسدوك على صراعك وكفاحك اليومي المتعاقب المتجدد ويرمقونك بنظرات الغيرة والإعجاب وحتى الإكبار والإجلال .. بينما هم في روتينهم السرمدي الممل السقيم .. وكيف لا ..؟؟
وأنت هو كبيرهم وكبير سادتهم ورافع رايات خلودهم ..إن وجدت ..!!

فتلك الألهة في حكمتها وعبثيتها لن تتجرأ على فعل ولو جزء قليل او يسير مما فعلته وتفعله وتصنعه وتخلقه وتعلّقه على جبين التاريخ والجغرافيا .. ومن يتجرأ غير الإنسان .. إنه إله الجرأة
فمن يمتلك الجرأة والشجاعة والإقدام والجنون وحتى العشق سواك أيها الإنسان .. أنت هو الماضي والحاضر والمستقبل بكل تفاصيله وأبعاده وتعقيداته وتناقضاته المضحكة المبكية .

من دمك ودموعك وعرق جبينك وصراخك والآمك وتوسلاتك وإستغاثاتك صنعت وأعطيت للحياة معناها وعبقها كما أعطيتها ألقها وأنبعاثاتها .. أما تلك الألهة العتيقة فمن أين لها بالدماء حتى تستحي وتخجل .. فهي لمّا تلبي نداءً أو تطعم جائعاً أو تكسي عرياناً بل أنت من يتصدى لكل تلك البطولات والمسؤوليات .. رغم وعودها الفارغة بتلبية الدعاء والنداء ... أما الدموع فلم ولن تعرفها أبداً لأن فاقد الشيء لا يعطيه .

فيك تجلت وتبعثرت الخطى ومنك إنبثقت الأحلام والتجليات والرغبات بحلوها ومرها بخبثها وحياءها ..

غضبك وحبك وعشقك وشغفك وأنانيتك .. تواضعك وتسامحك سلبيتك وإيجابيتك من أعطت للأشياء انطباعاتها وانعكاساتها وحتى تجلياتها .
أنت يا سيدي هو المقدس والسامي والعالي والمتعالي .. أنت من يعلو ولا يعلى عليه فلا مقدس او مبجّل او سامي ولا حتى قدير إلا أنت وحدك لا أحد سواك .

فالمقارنة بينك وبين أي شيء دونك من مقدس وسرمدي ولا نهائي هو هراء .. فقط مجرد هراء ..
فأنت بداية النهاية ونهاية البداية .. فلا مستحيل يثنيك عن عزمك وإرادتك فأنت من هو فعّال لما يريد ... أما تلك التصورات والروايات والحكايا والغيبيات التي تدّعي ولطالما إدعت وتشدقت بما ليست هي عليه فتلك لعمري من سخريات الأقدار وعظائم الأمور .

فتلك المقدسات التي لطالما حاولت تثبيط عزيمتك وإرادتك وتجميد فكرك وعقلك وإبداعاتك وإنطلاقة خيالاتك لهي من أكبر اللعنات والمصيبات والإنتكاسات التي حلت وألمّت بعالمك وأعاقت طموحاتك ونضالاتك وصراعاتك المستمرة لتحقيق ما هو أفضل وآسمى للبشرية والإنسانية .
كم من بني جنسك فتكت به وأذلته وأعاقة تقدمه ووأدت طموحاته وأحلامه وتطلعاته الخلاقة .. تباً لكِ أيتها المقدسات الحمقاء ..

فالجمود والتردي والخزي والعار والإنكسار والإمتهان هو بالإنصياع والتبعية لتلك المقدسات والغيبيات وذاك الجموح الصبياني الذي حاول ويحاول القضاء على أمجادك وإبداعاتك وصراعاتك ..
فلا تقف يا صديقي عند تلك الإنتكاسات والإرهاصات والتقلصات ..!!

لتبقى دائماً منارة الوجود الحي النابض وجوهر قبسها وشعلتها .. لا تلقي بالاً لكل ما يقوّض عزيمتك وأحلامك وجموحك وجرأتك وتفردك .
ولتعلم علم اليقين أنك أيها الإنسان موجود هنا ودائماً لخدمة أخيك الإنسان بالحب والعلم والعمل الجاد والأخلاق .. وهذا ما يميزك ويعطيك التفرد عن جميع قاطني هذا الكون ما خفي منها وما ظهر ..؟؟
فدموعك وصراخك والآمك هي التضحية والأضحية الأثمن في هذا الوجود والتي يجب تقديسها وتبجيلها .. أما ما عداها فهو الوهم والسراب .. لا شيء سوى السراب .

فأنت من ينفع ويصنع ويبدع وينعش الأمال والأحلام ويلبّي النداءات والإستغاثات وليست السماء بأبطالها وشخوصها الخجولين المتباكين على ضعفهم وعجزهم وخزيهم والعار الذي يكلل رؤوسهم .
فكن كبيراً وعلى قدر التحدي والمسؤولية .. فأنت لا يليق بك إلا أن تكون الكبير ..
يقال أن السماء قالت كلمتها منذ القدم في ذلك الزمان العتيق الخجول المتباكي ..!!

ولكن لحظة من فضلكم ... أنت من يجب أن يقول كلمته الأن وغداً وفي كل الأواقيت والعصور والأزمنة فلتكن نبراساً ومشعلاً يقتدي به كل البشر والألهة المتثاقلة الخجولة والمنطوية على ذاتها والتي مازالت تقبع في قمقمها وخوابيها البائسة المظلمة .بأخلاقك وتضحياتك ونضالاتك وتماهيك وإحساسك وتعاطفك مع أخيك الإنسان ..
فلتتمزق وتتناثر في هذا الوجود بكل حب وشغف من أجل سعادة وخير ومستقبل الإنسان والأجيال القادمة الى مستقبلنا وحاضرنا وتاريخنا المعاصر .. فأنت هو من يقول ويفعل ..!!

كن كما تحب وتشتهي وترغب .. وتريد .. ولكن كن كبيراً ومعطاءً ومقداماً حتى تبتعد قدر الإمكان عن التردي والخزي والإنحطاط والدونية التي خُطت ورُسمت لك وأريد لك أن توضع فيها وتكون في جنباتها وفناءها ..
أنفض عنك غبار الماضي العتيق بأضاليله وهزياناته وحماقاته .. وأنطلق الى الحرية والتحرر وأصنع أمجاد البشرية وقواميسها لتزلزل عروش السماء وتعلمها المجد والبطولة .. والتضحية والإنتصار والإبهار بعد أن إعتادت الهزيمة والسلبية .. واللامبالاة والإنكسار .



بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54 
              e.mail:ihab_1975@hotmail.com