الجمعة، 18 يوليو 2014

ثقافة الغيب ... ثقافة أوف لاين

عند النظر الى ثقافة الانسان العربي والشرقي تحديداً نلاحظ الكثير من التأثيرات الدينية والاسطورية والتراث القديم المتراكم في العقل اللاواعي الجمعي فهي مزيج من ثقافة البدو وثقافة الانسان القديم وخاصة بلاد الشرق الاوسط وبلاد ما بين النهرين وهي ثقافة غيبية بكل المقاييس لا تعتمد على التجربة والبرهان المادي والعقلي ..

لنأخذ مثلاً ثقافة او مصطلح الخير عند تلك الشعوب فقد ارتبط بالعديد من الاحتياجات المادية اليومية للبشر ومنها خاصة امرين اساسيين الا وهما الخبز والمطر حيث كان لهما دلالات رمزية عديدة مازالت حتى عصرنا هذا تعتبر من ثقافة الانسان الذي يتفاخر بتمدنه وسعة إطلاعه .
فالمطر هو رمز الخير والعطاء وبالتالي كل مطر هاطل من السماء العليا لا يحمل الا الخير المطلق لأولئك العبيد المساكين (سكان الارض) وهذه المعتقدات تم توارثها من الديانات الخصيبية في بلاد ما بين النهرين اضافة الى الثقافة البدوية التي كان هاجسها البحث عن الماء وبذلك تمت الاشارة الى المياه وتحديداً المطر بالخير ..

فاصبح المطر يرمز الى الخير المطلق رغم ما قد يحمله من كوارث واعاصير وفيضانات مدمرة (تسونامي )قد تدمر البلاد والعباد بأسرها فالمطر في الثقافات والديانات القديمة هو الخير الذي يرسله رب الامطار والخصب (تموز او بعل او يهوه او ...) ليلقح الارض الانثى وينعم عليها بفضائله..
مازالت ثقافة المطر (الخير ) موجودة في كل الديانات حتى السماوية او الفضائية حتى يومنا هذا مع العلم ان العلوم الحديثة قد قالت كلمتها في هذا المجال فالمطر هو ظاهرة طبيعية تحدث عند تبخر مياه البحار والمحيطات وتتحول الى بخار الماء وتصعد الى طبقات الجو العليا وتتكثف على شكل غيوم مشبعة بالأبخرة وبعدها تبرد وتتساقط على شكل امطار وهي بذلك تهطل على الاخيار والاشرار على حد سواء ولا علاقة لارادة السماء بذلك ..
كذلك الرعد الذي كان يعتقد انه صوت الاله الغاضب على البشر بحيث يستخدمه للانتقام من خصومه السياسيين والغير تابعين له في اهواءه وهو الاخر ظاهرة فيزيائية تحدث نتيجة تلاقي شحنات كهربائية سالبة واخرى موجبة وليس صوت الرب الغاضب على عبيده .

اما بالنسبة لصديقنا الخبز فله قصة طويلة فهو يرمز الى الوفرة والامن والاستقرار وبالتالي الى الخير من الوجه الاخرللقضية لناخذ المثال التالي والبسيط وهو يصادفنا بشكل يومي .. عند مرورك في الطريق قد ترى العديد من الفضلات المرمية على الارض ولتكن خبزاً وتفاحاً وقطعة شوكولا او بسكويت .. فالتصرف اللارادي واللاواعي من الانسان المتدين او العربي المحمل بثقافة الغيبية والقدرية المتوارثة وبشكل تلقائي يلتقط قطعة الخبز بإعتبارها نعمة اي (خير) ويهمل او يتغاضى عن بقية المواد الاخرى الملقاة على الارض رغم ما تحمله من قيمة غذائية في اغلبها انفع وافيد من الخبز ومن الثقافة التي تحملها لكن الذي لا يعيه هذا العقل المتكلس هو ان الخبز ومن وراءه القمح هو المقصد فللقمح دلالة رمزية في الموروث الشعبي القديم والمقدسات السابقة فهو رمز للوفرة والعطاء المقدس التي باركتها الالهة القديمة وذلك نتيجة طقوس العبادة المقدسة والجنسية التي كانت تمارس من قبل اتباع تلك الديانات تقرباً للالهة من اجل كسب ودهم ورضاهم حتى يباركو محاصيل القمح التي كانت مصدر عيشهم وقوت يومهم بعد استقرارهم في مجتمع زراعي وهجرهم لاعمال الصيد والقنص ..

وقد بقيت تلك الثقافة الموروثة بعد اختراقها العقائد والديانات السماوية والفضائية في اللاوعي والعقل الجمعي للبشر وتنتقل من جيل الى أخر ونرى العديد من دلالاتها واضح المعالم (فالمسيح جسده يرمز الى الخبز والاسلام ضرب الامثال في حبة القمح واليهود ومأثرهم العجيبة وقصة نبيهم يوسف مع سنابل القمح ..) الى اخر ذلك من حوادث ومواقف درامية عجيبة ..

ان هذه الثقافات والافكار التي تسربت الى عقول البشر وانتقلت كما تنتقل الصفات الوراثية بحيث اصبحت تشكل ملامح شخصية اساسية في كيان الانسان .. انها كالوهم او المرض الذي يعشعش في الجسد والعقل رغم ان البعض يعلم حقيقتها ومكانتها الا ان الاصرار والمكابرة على اعتناقها رغم عدم صحتها يرجع الى سبب رئيسي هو نرجسية العقل البشري المشبع بالافكار الدينية الغيبية التي تعتمد على الاسطورة في بنائها الدرامي والذي لا يقبل الاعتراف بالخطأ حتى لا يقع ضحية وهم وسراب لطالما كان يشكل له أماناً وموطىء قدم يحميه من ضياع الشخصية التي لطالما اعتادت الأتكالية ..
علينا النظر الى الامور من منظار أخر ألا وهو الانسان فالانسان هو مصدر الخير او الشر لان الافعال التي تصدر عنه تكون خيَرة بقدر نفعها للناس وشريرة بقدر تسببها بالضرر للاخرين ..

يجب عدم إلغاء دور الانسان في تقييمنا للامور على اساس الخير او الشر فبالنهاية هذا وصف اخلاقي وتقييم موضوعي للعمل الانساني والمعيار هو النفع او الضرر الناتج عن ذلك وهذا بدوره يشكل نقطة انطلاق للبناء عليها في اعادة تشكيل المفاهيم للحكم على الناس بغض النظر عن توجهاتهم الدينية او الغيبية التي لا تنفع ولكن قد تضر في اعاقة مسيرة التطور الحضاري والانساني باستخدامها لأدوات وأليات عفى عليها الزمن واصبحت من الماضي البعيد ولا تلائم عصر العلوم الحديثة..


بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم -   www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                      www.twitter.com/ihab_1975

                   e.mail:ihab_1975@hotmail.com
             
              gimail:ihabibrahem1975@gimail.com
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق