الأربعاء، 17 أغسطس 2016
الثلاثاء، 16 أغسطس 2016
الثلاثاء، 10 مايو 2016
المرأة .. من الوأد الجسدي الى الوأد النفسي ..!
في بداية حديثنا عن المرأة ككيان مستقل وشريك فعّال في حياتنا نحن الرجال لا بد لنا من نظرة تاريخية نعود بها الى الوراء في مراحل تاريخية سابقة بتقاسيمها المختلفة ..
ففي العصور القديمة وقبل ظهور الديانات الرسمية (السماوية) كافة .. كان للمرأة دور حيوي وفعال في مسار الأسرة والقبيلة والقرية في العديد من البلدان والثقافات على إختلاف مشاربها ونشآتها في بلاد الرافدين مثلاً او ما يسمى ما بين النهرين كان للمرأة شأن كبير وعظيم فهي تشارك الرجل في العديد من المهام الحياتية المعاشية ليس أقله تربية الأولاد بل كان لها دور اقتصادي في عملية الزراعة والحصاد وتربية الماشية بعد أن تعلم الإنسان تدجينها وتسخيرها لمصلحته ..
كما دخلت معترك القنص والصيد في فترات زمنية أسبق فكانت تأخذ دورها في حماية أفراد الأسرة والقبيلة وتأمين الغذاء والقوت اليومي إضافة الى دورها الحيوي الملهم في الميثيولوجيا والفلسفة بشكل عام حتى وصلت مكانتها الى إعتبارها آلهة في ثقافات وديانات الشرق الأوسط القديم في بلاد ما بين النهرين فهي ربّة الخصب والجمال ( كعشتاروت وإنانا وعناة ..) وغيرها وفي الوجه المقابل هي ربّة الموت والعالم السفلي ( أركيشيجال ) .. وغيرها
وهذا ما استقته الحضارة الإغريقية والرومانية عن سابقتها الشرق أوسطية في محاكاة تقليدية لدور المرأة ومكانتها العليا في الثقافة والأدب والميثيولوجيا الشعبية فنراها آلهة الجمال والأنوثة والخصب والحب كفينوس وأفروديت وغيرها من التسميات .. وأيضا في المجتمع المصري الفرعوني القديم في بلاد الكنانة كانت المرأة تتبوأ مكانة كبيرة وسامية فهي وصلت الى درجة تقديسها وتنصيبها كملكة (كنفرتيتي ) وشريكة للرجل في المهام السياسية والسماوية كالأله إيزيس العذراء وتسميات أخرى كثيرة ..
إن لتلك النظرة والمكانة التي اكتسبتها المرأة في تلك البلاد وغيرها كان لها دلالاتها وأسبابها الموضوعية وظروف نشأت ونضجت في تلك البلاد والقرى التي وصلت الى درجة من الوعي الإنساني والتطور الأدبي والمعرفي المدني ( في تلك الحقبة التاريخية ) انعكس بذلك على مكانة المرأة ودورها في المجتمع والحياة ومعانيها المتنوعة والمتشعبة ..
لكن في المقابل اذا كنا منصفين في طروحاتنا لا بد لنا من أن نتناول الأمر من الجانب الأخر ففي مناطق وبقاع أخرى من الجغرافيا الأرضية كان الوضع مختلفاً تماماً .. لن نبتعد كثيراً جغرافياً ومناطقياً .
سنذهب في جولة الى قلب الصحراء وتحديداً الى شبه جزيرة العرب ..؟
فالذي كان يحدث هنالك كان انعكاساً للطبيعة القاسية والواقع البيئي والتركيبة الإجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر فالمجتمع البدوي الصحراوي اذا جاز لنا أن نسميه كمجتمع هو تجمعات قبلية وعشائرية كانت تمتهن الصيد والقنص والغزو بحكم ترحالها وبحثها عن الغذاء والماء لذلك فهي معرضة للاخطار من كل حدب وصوب وهذا من انعكس على النظرة الدونية والسلبية للمرأة بشكل عام حيث كانت تعتبر عاملاً سلبياً وعبئاً على أفراد القبيلة فهي حقيقة لا تستطيع القتال والحرب والغزو مثل الرجل ومن جهة أخرى هي فريسة وهدف فهي معرضة للسبي والخطف والإسترقاق من قبل الغزاة ورجال القبائل الأخرين ..!
وقد ساد هذا المفهوم والنظرة الدونية للمرأة فترة طويلة من الشتات العربي تحديداً وقد نتج عن ذلك عدة ممارسات كانت تُلاحق وتُحاصر المرأة بها ويكاد أشهرها يكون هو الوأد الجسدي حيث أن أي رب أسرة يرزق بمولود انثى وكأن غضب السماء قد حلّ على رأسه لأنها بالنهاية مصيبة ستجلب له الخزي والعار بإعتبارها عنصراً ضعيفاً وهدفاً ولقمة سائغة لأفواه كثيرة جائعة ومتعطشة ..!
وأيضا في الكثير من المناطق والبقع الجغرافية ذات الطبيعة القاسية والتي يعتمد أهلها على على الغزو والقنص وحتى الرعي كانت تلك الأفكار سائدة في لاوعي القبيلة لأن الترحال والتنقل الدائم سيعرض صاحبه للأخطار والمفاجئات الغير سارة في كل لحظة وكل مكان على عكس الإستقرار الذي انتهجه الحضر المستقرون فالإستقرار يوفر الأمان نوعاً ما والبيئة الجغرافية والإجتماعية الصالحة لنشوء العلاقات السليمة والسوية وهو بدوره ما سيفرز وعياً جمعياً... فكرياً وثقافياً سيترجم لاحقاً في صدور تعاليم وأعراف وسلوكيات وأدبيات وحتى .. ديانات .. تعكس وجهة النظر الى المرأة ومكانتها في المجتمع بعد أن سادت فيه الثقافة الذكورية ( ولا أدل على ذلك من مكانة عشتار ربّة الخصب في ديانات الشرق الأوسط ) ..
على عكس الطبيعة الصحراوية القاحلة القاسية وبيئتها المتردية المتنقلة والتي ستعكس نظرة دونية للمرأة ستتوج بالطريقة التي ستعامل بها المرأة لاحقاً في المجتمع البدوي الصحراوي وأدبياته وحتى دياناته ..
وهنا لا بد لنا من التطرق الى نظرة الديانات للمرأة ومدى المكانة التي تتبوأها فيها سنلاحظ وبشكل مستفز أن تلك النظرة الدونية التي كانت سائدة في فترة ما قبل ظهور الديانات الصحراوية السماوية قد استمرت بين ثناياها ( على عكس ما يُشاع او يقال ) مع بعض التجميل والترقيع الرديء هنا وهناك ..!
فالثقافة والديانة الإبراهيمية وهي أولى الديانات الرسمية ( اليهودية ) والتي نشأت في بيئة رعوية جبلية وصحراوية نوعاً ما قد ساهمت في تشكيل نظرة دونية الى المرأة بغض النظر عن موقعها ومكانتها ومساهماتها وحتى من قبل الدستور اليهودي المسمى ( التوراة ) والذي ما هو إلا امتداد للشتات اليهودي والسبي الذي تعرضوا له من قبل البابليين والأشوريين في فترات متلاحقة .. فنرى في عدة أيات وأسفار من كتابهم المقدس هذه النظرة الدونية والسلبية ومنها هذا النص :
( فوَجدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها،أمَّا الخاطئْ فيعلَقُ بها ) سفر الجامعة - الأصحاح \ 26
( لكِنْ كما تغدُرُ المرأةُ الخائِنةُ بِزَوجها، كذلِكَ غَدَرْتُم بي يا بَيتَ إِسرائيلَ ) سفرأراميا - الأصحاح \20 .. وغيرها العديد ...
وأيضاً في الديانة المسيحية الوريثة الشرعية القسرية لليهودية ورغم ما حملته من تعاليم سمحة ومسالمة الى حد ما إلا أنها لم تتخلص من تلك العقدة والمسماة المرأة لأنها بالمحصلة امتداد للثقافة اليهودية الإبراهيمية الأم ... فالديانة المسيحية كرّست مفهوم الإله الذكر الرجل بشخص المسيح وتلامذته ( كإنعكاس لإله الشمس الذكر في ثقافات أقدم ).. بتصرف .. وأنزلت المرأة الإله عن عرشها الذي كان سائداً في منطقة بلاد الرافدين بعد أن أعاد المرأة الى وكرها وجحرها ...
فنقرأ في العديد من الأيات والمقاطع من كتاب المسيحيين المقدس ( الإنجيل ) ما يُرينا حقيقة تبعية المرأة وخضوعها لمنطق القوة والذكورة .. ومنها هذا النص :
( فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل .. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها ) كورنثوس الأولى الأصحاح 11\ 7 ..
( أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة ) الإنجيل - أفسس الأصحاح - 5 22\24
(لتصمت نساؤكم في الكنائس. إلا إنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمنَ، بل يخضعنَ كما يقول الناموس أيضاً. لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن بالبيت .. ) كورنثوس الأولى الأصحاح 14\34 ... وغيرها العديد أيضاً ..!!
وأما الديانة الإسلامية والتي يُسوق لها مروجوها بأنها النور الذي أزاح ظلام البسيطة في كل أمور الحياة وتحديداً في قضية المرأة والذي خلصها من الوأد الجسدي الذي كان يمارس عليها من قبل العقلية البدوية الصحراوية لذكور الصحراء وأشاوسها ..
هذا ما قد يبدو للوهلة الاولى ..؟ لكن هناك شيء ما وراء الأكمة .. كما يقال ..! ..إن نظرة فاحصة متأنية للمكانة الدونية التي إحتلتها المرأة في الديانة الإسلامية سيلاحظ بأن لا جديد تحت ضوء الشمس ..
لا تستغرب هذا الحكم او النتيجة عزيزي القارىء .. صحيح أن الإسلام قد حررها وأنقذها من الوأد الجسدي لكنه بالمقابل قد أوقعها وأودعها رهينة في زنزانة أخرى وهو طريقها المحتوم الى ( الوأد النفسي ) بكل صراحة .!!
فالمرأة في الأدبيات الإسلامية مازالت تعامل كسلعة ومتاع من الأمتعة التي يمتلكها الرجل فيبقيها او يطلقها متى يشاء وهذه النظرة بدورها هي أحد أسباب نشوء فكرة الحجاب عند المسلمين باعتبار المرأة شيء يمتلكه الرجل فبالتالي هي ملكية خاصة ويجب أن تغطى وتغلّف حتى لا تكون عرضة للسرقة والسبي والإنتهاك وهذه النقطة تحديداً هي امتداد لتلك الفكرة البدوية الصحراوية والنظرة التي كان ينظر بها الى المرأة قبل الإسلام ..
نقرأ في بعض الأيات من كتاب ودستور المسلمين المقدس والمسمى ( القرأن ) ليتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الاسود ....ومنها هذه النصوص :
( زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ) آل عمران \14
(..واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع ... واضربوهنّ .. ) سورة النساء - آية \ 34 .. وغيرها الكثير ..!
وبعد كل ما ذكرناه نرى بأن المرأة لم تتخلص من الوأد الجسدي الذي يمارس لمرة واحدة وينتهي .. لكنها بحكم السلوكيات والعادات والنظرة الدينية المريضة والدونية التي ينظر لها فهي تتعرض بذلك للوأد النفسي والقتل المعنوي مئات المرات خلال مسيرة حياتها ..؟
قد يكون القتل لمرة واحدة جريمة بكل المقاييس لكن القتل الطويل والمستمر والممنهج والمكرر لهو بالمحصلة جريمة الجرائم وكارثة الكوارث بكل القواميس الإنسانية والحضارية ..
إن نظرة واحدة على شريعة حقوق الإنسان سيعطينا فكرة واضحة على النظرة السليمة والصحية التي ينظر فيها الى المرأة فهي انسان وكيان مستقل كمثيله الرجل .. نقرا هذا النص : ( المادة 2 ) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان :
( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. )
إن تلك النظرة التي توصلت إليها البلدان المتمدنة ما كانت إلا نتاج نضال طويل وشاق ومرير ولم يكن معبداً بل كان مليئاً بالمطبات والحفر لكن في النهاية تم الوصول إليها في الكثير من البلدان والأمم وخاصة بعد أن طبقت وانتهجت مبدأ العلمانية كأسلوب عمل وفكر ومنهج ومبدأ سياسي واجتماعي ( أي فصل الدين والذي يميز المرأة ويصمها بوصمة العار والدونية ).. عن الحياة العامة للدولة للمجتمع ..
علينا الإستفادة من تجارب الأخرين قدر الإمكان للتخلص من الأمراض والآفات المجتمعية التي تعيق حركة التنمية البشرية والنمو الإقتصادي والإجتماعي في بلداننا ومناطقنا وأول درجة في سلم الصعود والإرتقاء هو تطبيق مبدأ .. العلمانية في دساتيرنا ومناهجنا لتنعكس على سلوكياتنا وتفكيرنا عندها سنكف عن وأد المرأة نفسياً واجتماعياً ... وأدبياً لنعيد لها مكانة تليق بها وبنا ..
بالمحصلة إن تحرير المرأة اجتماعياً وأخلاقياً ومعرفياً وثقافياً سينعكس على تحرير المجتمع ككل بكافة أفراده وأبناءه في مختلف نواحي الحياة وهو الإستثمار الرابح بكل المقاييس الإستراتيجية وحتى الإنسانية ..
اللاذقية في 29\1\2016
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
ففي العصور القديمة وقبل ظهور الديانات الرسمية (السماوية) كافة .. كان للمرأة دور حيوي وفعال في مسار الأسرة والقبيلة والقرية في العديد من البلدان والثقافات على إختلاف مشاربها ونشآتها في بلاد الرافدين مثلاً او ما يسمى ما بين النهرين كان للمرأة شأن كبير وعظيم فهي تشارك الرجل في العديد من المهام الحياتية المعاشية ليس أقله تربية الأولاد بل كان لها دور اقتصادي في عملية الزراعة والحصاد وتربية الماشية بعد أن تعلم الإنسان تدجينها وتسخيرها لمصلحته ..
كما دخلت معترك القنص والصيد في فترات زمنية أسبق فكانت تأخذ دورها في حماية أفراد الأسرة والقبيلة وتأمين الغذاء والقوت اليومي إضافة الى دورها الحيوي الملهم في الميثيولوجيا والفلسفة بشكل عام حتى وصلت مكانتها الى إعتبارها آلهة في ثقافات وديانات الشرق الأوسط القديم في بلاد ما بين النهرين فهي ربّة الخصب والجمال ( كعشتاروت وإنانا وعناة ..) وغيرها وفي الوجه المقابل هي ربّة الموت والعالم السفلي ( أركيشيجال ) .. وغيرها
وهذا ما استقته الحضارة الإغريقية والرومانية عن سابقتها الشرق أوسطية في محاكاة تقليدية لدور المرأة ومكانتها العليا في الثقافة والأدب والميثيولوجيا الشعبية فنراها آلهة الجمال والأنوثة والخصب والحب كفينوس وأفروديت وغيرها من التسميات .. وأيضا في المجتمع المصري الفرعوني القديم في بلاد الكنانة كانت المرأة تتبوأ مكانة كبيرة وسامية فهي وصلت الى درجة تقديسها وتنصيبها كملكة (كنفرتيتي ) وشريكة للرجل في المهام السياسية والسماوية كالأله إيزيس العذراء وتسميات أخرى كثيرة ..
إن لتلك النظرة والمكانة التي اكتسبتها المرأة في تلك البلاد وغيرها كان لها دلالاتها وأسبابها الموضوعية وظروف نشأت ونضجت في تلك البلاد والقرى التي وصلت الى درجة من الوعي الإنساني والتطور الأدبي والمعرفي المدني ( في تلك الحقبة التاريخية ) انعكس بذلك على مكانة المرأة ودورها في المجتمع والحياة ومعانيها المتنوعة والمتشعبة ..
لكن في المقابل اذا كنا منصفين في طروحاتنا لا بد لنا من أن نتناول الأمر من الجانب الأخر ففي مناطق وبقاع أخرى من الجغرافيا الأرضية كان الوضع مختلفاً تماماً .. لن نبتعد كثيراً جغرافياً ومناطقياً .
سنذهب في جولة الى قلب الصحراء وتحديداً الى شبه جزيرة العرب ..؟
فالذي كان يحدث هنالك كان انعكاساً للطبيعة القاسية والواقع البيئي والتركيبة الإجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر فالمجتمع البدوي الصحراوي اذا جاز لنا أن نسميه كمجتمع هو تجمعات قبلية وعشائرية كانت تمتهن الصيد والقنص والغزو بحكم ترحالها وبحثها عن الغذاء والماء لذلك فهي معرضة للاخطار من كل حدب وصوب وهذا من انعكس على النظرة الدونية والسلبية للمرأة بشكل عام حيث كانت تعتبر عاملاً سلبياً وعبئاً على أفراد القبيلة فهي حقيقة لا تستطيع القتال والحرب والغزو مثل الرجل ومن جهة أخرى هي فريسة وهدف فهي معرضة للسبي والخطف والإسترقاق من قبل الغزاة ورجال القبائل الأخرين ..!
وقد ساد هذا المفهوم والنظرة الدونية للمرأة فترة طويلة من الشتات العربي تحديداً وقد نتج عن ذلك عدة ممارسات كانت تُلاحق وتُحاصر المرأة بها ويكاد أشهرها يكون هو الوأد الجسدي حيث أن أي رب أسرة يرزق بمولود انثى وكأن غضب السماء قد حلّ على رأسه لأنها بالنهاية مصيبة ستجلب له الخزي والعار بإعتبارها عنصراً ضعيفاً وهدفاً ولقمة سائغة لأفواه كثيرة جائعة ومتعطشة ..!
وأيضا في الكثير من المناطق والبقع الجغرافية ذات الطبيعة القاسية والتي يعتمد أهلها على على الغزو والقنص وحتى الرعي كانت تلك الأفكار سائدة في لاوعي القبيلة لأن الترحال والتنقل الدائم سيعرض صاحبه للأخطار والمفاجئات الغير سارة في كل لحظة وكل مكان على عكس الإستقرار الذي انتهجه الحضر المستقرون فالإستقرار يوفر الأمان نوعاً ما والبيئة الجغرافية والإجتماعية الصالحة لنشوء العلاقات السليمة والسوية وهو بدوره ما سيفرز وعياً جمعياً... فكرياً وثقافياً سيترجم لاحقاً في صدور تعاليم وأعراف وسلوكيات وأدبيات وحتى .. ديانات .. تعكس وجهة النظر الى المرأة ومكانتها في المجتمع بعد أن سادت فيه الثقافة الذكورية ( ولا أدل على ذلك من مكانة عشتار ربّة الخصب في ديانات الشرق الأوسط ) ..
على عكس الطبيعة الصحراوية القاحلة القاسية وبيئتها المتردية المتنقلة والتي ستعكس نظرة دونية للمرأة ستتوج بالطريقة التي ستعامل بها المرأة لاحقاً في المجتمع البدوي الصحراوي وأدبياته وحتى دياناته ..
وهنا لا بد لنا من التطرق الى نظرة الديانات للمرأة ومدى المكانة التي تتبوأها فيها سنلاحظ وبشكل مستفز أن تلك النظرة الدونية التي كانت سائدة في فترة ما قبل ظهور الديانات الصحراوية السماوية قد استمرت بين ثناياها ( على عكس ما يُشاع او يقال ) مع بعض التجميل والترقيع الرديء هنا وهناك ..!
فالثقافة والديانة الإبراهيمية وهي أولى الديانات الرسمية ( اليهودية ) والتي نشأت في بيئة رعوية جبلية وصحراوية نوعاً ما قد ساهمت في تشكيل نظرة دونية الى المرأة بغض النظر عن موقعها ومكانتها ومساهماتها وحتى من قبل الدستور اليهودي المسمى ( التوراة ) والذي ما هو إلا امتداد للشتات اليهودي والسبي الذي تعرضوا له من قبل البابليين والأشوريين في فترات متلاحقة .. فنرى في عدة أيات وأسفار من كتابهم المقدس هذه النظرة الدونية والسلبية ومنها هذا النص :
( فوَجدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها،أمَّا الخاطئْ فيعلَقُ بها ) سفر الجامعة - الأصحاح \ 26
( لكِنْ كما تغدُرُ المرأةُ الخائِنةُ بِزَوجها، كذلِكَ غَدَرْتُم بي يا بَيتَ إِسرائيلَ ) سفرأراميا - الأصحاح \20 .. وغيرها العديد ...
وأيضاً في الديانة المسيحية الوريثة الشرعية القسرية لليهودية ورغم ما حملته من تعاليم سمحة ومسالمة الى حد ما إلا أنها لم تتخلص من تلك العقدة والمسماة المرأة لأنها بالمحصلة امتداد للثقافة اليهودية الإبراهيمية الأم ... فالديانة المسيحية كرّست مفهوم الإله الذكر الرجل بشخص المسيح وتلامذته ( كإنعكاس لإله الشمس الذكر في ثقافات أقدم ).. بتصرف .. وأنزلت المرأة الإله عن عرشها الذي كان سائداً في منطقة بلاد الرافدين بعد أن أعاد المرأة الى وكرها وجحرها ...
فنقرأ في العديد من الأيات والمقاطع من كتاب المسيحيين المقدس ( الإنجيل ) ما يُرينا حقيقة تبعية المرأة وخضوعها لمنطق القوة والذكورة .. ومنها هذا النص :
( فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل .. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها ) كورنثوس الأولى الأصحاح 11\ 7 ..
( أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة ) الإنجيل - أفسس الأصحاح - 5 22\24
(لتصمت نساؤكم في الكنائس. إلا إنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمنَ، بل يخضعنَ كما يقول الناموس أيضاً. لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن بالبيت .. ) كورنثوس الأولى الأصحاح 14\34 ... وغيرها العديد أيضاً ..!!
وأما الديانة الإسلامية والتي يُسوق لها مروجوها بأنها النور الذي أزاح ظلام البسيطة في كل أمور الحياة وتحديداً في قضية المرأة والذي خلصها من الوأد الجسدي الذي كان يمارس عليها من قبل العقلية البدوية الصحراوية لذكور الصحراء وأشاوسها ..
هذا ما قد يبدو للوهلة الاولى ..؟ لكن هناك شيء ما وراء الأكمة .. كما يقال ..! ..إن نظرة فاحصة متأنية للمكانة الدونية التي إحتلتها المرأة في الديانة الإسلامية سيلاحظ بأن لا جديد تحت ضوء الشمس ..
لا تستغرب هذا الحكم او النتيجة عزيزي القارىء .. صحيح أن الإسلام قد حررها وأنقذها من الوأد الجسدي لكنه بالمقابل قد أوقعها وأودعها رهينة في زنزانة أخرى وهو طريقها المحتوم الى ( الوأد النفسي ) بكل صراحة .!!
فالمرأة في الأدبيات الإسلامية مازالت تعامل كسلعة ومتاع من الأمتعة التي يمتلكها الرجل فيبقيها او يطلقها متى يشاء وهذه النظرة بدورها هي أحد أسباب نشوء فكرة الحجاب عند المسلمين باعتبار المرأة شيء يمتلكه الرجل فبالتالي هي ملكية خاصة ويجب أن تغطى وتغلّف حتى لا تكون عرضة للسرقة والسبي والإنتهاك وهذه النقطة تحديداً هي امتداد لتلك الفكرة البدوية الصحراوية والنظرة التي كان ينظر بها الى المرأة قبل الإسلام ..
نقرأ في بعض الأيات من كتاب ودستور المسلمين المقدس والمسمى ( القرأن ) ليتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الاسود ....ومنها هذه النصوص :
( زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ) آل عمران \14
(..واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع ... واضربوهنّ .. ) سورة النساء - آية \ 34 .. وغيرها الكثير ..!
وبعد كل ما ذكرناه نرى بأن المرأة لم تتخلص من الوأد الجسدي الذي يمارس لمرة واحدة وينتهي .. لكنها بحكم السلوكيات والعادات والنظرة الدينية المريضة والدونية التي ينظر لها فهي تتعرض بذلك للوأد النفسي والقتل المعنوي مئات المرات خلال مسيرة حياتها ..؟
قد يكون القتل لمرة واحدة جريمة بكل المقاييس لكن القتل الطويل والمستمر والممنهج والمكرر لهو بالمحصلة جريمة الجرائم وكارثة الكوارث بكل القواميس الإنسانية والحضارية ..
إن نظرة واحدة على شريعة حقوق الإنسان سيعطينا فكرة واضحة على النظرة السليمة والصحية التي ينظر فيها الى المرأة فهي انسان وكيان مستقل كمثيله الرجل .. نقرا هذا النص : ( المادة 2 ) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان :
( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. )
إن تلك النظرة التي توصلت إليها البلدان المتمدنة ما كانت إلا نتاج نضال طويل وشاق ومرير ولم يكن معبداً بل كان مليئاً بالمطبات والحفر لكن في النهاية تم الوصول إليها في الكثير من البلدان والأمم وخاصة بعد أن طبقت وانتهجت مبدأ العلمانية كأسلوب عمل وفكر ومنهج ومبدأ سياسي واجتماعي ( أي فصل الدين والذي يميز المرأة ويصمها بوصمة العار والدونية ).. عن الحياة العامة للدولة للمجتمع ..
علينا الإستفادة من تجارب الأخرين قدر الإمكان للتخلص من الأمراض والآفات المجتمعية التي تعيق حركة التنمية البشرية والنمو الإقتصادي والإجتماعي في بلداننا ومناطقنا وأول درجة في سلم الصعود والإرتقاء هو تطبيق مبدأ .. العلمانية في دساتيرنا ومناهجنا لتنعكس على سلوكياتنا وتفكيرنا عندها سنكف عن وأد المرأة نفسياً واجتماعياً ... وأدبياً لنعيد لها مكانة تليق بها وبنا ..
بالمحصلة إن تحرير المرأة اجتماعياً وأخلاقياً ومعرفياً وثقافياً سينعكس على تحرير المجتمع ككل بكافة أفراده وأبناءه في مختلف نواحي الحياة وهو الإستثمار الرابح بكل المقاييس الإستراتيجية وحتى الإنسانية ..
اللاذقية في 29\1\2016
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
الجمعة، 15 يناير 2016
قانون الدولة ..أم دولة القانون ..؟
بغض النظر عن التعريف الحقوقي والأكاديمي والإصطلاحي للقانون بشكل عام نرى العديد من التعريفات والإجتهادات التي حددت ملامح القانون وقوامه ووظيفته ويمكن تلخيصها وإجمالها بالتعريف الشامل التالي :
القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...
فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..
ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!
ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم
وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .
وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟
لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..
إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟
إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..
إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..
لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...
ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!
فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..
فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!
فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..
هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.
صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات).. لحاضرنا ومستقبلنا .
اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..
لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي) ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .
فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...
اللاذقية بتاريخ 24\9\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
القانون هو مجموعة المبادىء العامة والتي تتمتع بالصفة اللآمرة والتنفيذية والمؤيد الجزائي لتمكين تنفيذها وإنفاذها في البلاد التي تطبق به وهي مبادىء تنظم علاقة الأفراد فيما بينهم او علاقاتهم مع مؤسسات الدولة وهي تعكس درجة الوعي الثقافي والحضاري في هذا البلد او ذاك...
فمع تطور شكل الدولة انطلاقاً من أولى التجمعات البشرية كالقبائل والتجمعات البدائية الأولى التي استوطنت عند مصبات الأنهار وشواطىء البحار مروراً بأشباه القرى والمدن وصولاً الى مفهوم الدولة العصرية بشكلها الحديث برزت ودعت الحاجة والمصلحة وطبيعة الأمور الى وجود قانون عام يرسم ملامح العلاقات الإجتماعية وقد مر ذلك بمراحل تطورية وتراكمية والتي صقلته وبلورته وكانت خلاصة تجارب البشر وتفاعلاتهم وأخطائهم إن كان بشكل إفرادي او جماعي ..
ففي بداية الأمر كان القانون هو قانون القوي كزعيم القبيلة ورئيس عشيرتها والذي كان يستمد حكمه على الأخرين من أرواح أجداده السابقين المتصلين بالسماء السابعة .!!
ولكن مع التطور المعرفي والثقافي التجريبي التراكمي للبشر تقلص دور الفرد بإتجاه اتساع رقعة حكم الجماعة فنشأ مفهوم التشاركية الجماعية لإدارة وسنّ وتشريع القوانين ...وقد كان للمفكرين والمتنورين دور هام في صقل ونهضة وتطور فكرة القانون وسيادته ابتداءاً من قوانين حمورابي والتي صاغها مشرعون أوائل مروراً بالحقبة الإغريقية والرومانية وصولاً الى عصر النهضة والتنوير في أوروبا ورجالاتها الذين دفعوا دمائهم وأرواحهم ثمناً لتطور مجتمعاتهم في صراعاتهم مع سيطرة وسيادة الفكر الديني الحاكم بأمر الله او سيطرة الديكتاتور الملك .. الحاكم
وقد أعتبرَ هذا الأمر انتصاراً للبشرية بمفهومها الحديث للحد من مبدأ الفردية والأنانية والنرجسية ..
لقد عانت البشرية ودفعت الكثير من الدماء ثمناً لتحررها من قانون الفرد المسيطر الذي كان يتم تنفيذه في مرحلة كان الجهل والتخلف والأفكار الغيبية هي السائدة في حكمها لعلاقات البشر الإنسانية والإجتماعية مما جعلها تدفع ثمناً كبيراً كلفها الدماء وقرون طويلة من التخلف وتأخر التطور الحضاري المعرفي .
وقد ساعد على ذلك سيطرة الفكر الديني الذي كان يفرض القانون بقوة الحاكمية الإلهية مستخدماً قوة الحديد والنار والتهديد بالويل والثغور وعظائم الأمور والحرق بالنار الموعودة ولو قبل حين .. من كافة الأيديولوجيات الدينية اسلامية كانت أم مسيحية وغيرها وكان لزاماً على البشرية في سبيلها الى التحرر من هذا القيد أي قانون (الفرد) الحاكم المطلق والظالم أن تبذل الغالي والرخيص في سبيل التحرر والإنعتاق حتى تصبو الى مراتب إنسانية يستحقها البشر سواسية لتتمكن من العطاء والتقدم المعرفي والإنساني ...وكما أشرنا سابقاً لعب الكثير من الفلاسفة والمفكرين دوراً ريادياً في هذه المسألة لمحاربة دكتاتورية الفرد الحاكم الذي لبسَ لباس قانون الدولة وتقمصها وكأنه واقع مأزوم وقضاء محتوم ..؟
لكن وفي مقلب آخر ورغم كل هذا التطور المعرفي والحقوقي والقانوني الذي وصلت اليه البشرية مازالت بلادنا تعاني من تخبط واضح في مسألة التعاطي مع القانون وكأننا في وادٍ او عصر والأخرون في وادٍ او عصر آخر مختلف .
فبنظرة سريعة على واقع بلادنا نرى العجب العجاب فما يسود عندنا هو منطق قانون الدولة في علاقاتها مع الأفراد وكأن الشعوب هي تحصيل حاصل في معادلة القانون والدولة والمجتمع فبدلاً من أن تُدار البلاد بمنطق دولة القانون والمؤسسات وإحترام مبادىء حقوق الإنسان نرى العكس تماما ..
إن من بيده مقاليد الحكم والسلطة والقانون هم طبقة الفاسدين والمتنفذين المتسلطين على رقاب الناس وهم فئة من طبقة التجار والمرابين النفعيين والمضاربين الذين يتلاعبون بالقانون في سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ومن دون أدنى حسيب او رقيب .!
إن هذا الواقع المأساوي كان له أسبابه وظروفه الموضوعية الخارجية في مرحلة ما كان فيها الإستعمار سائداً على بلادنا لكن استمرار الحال على ما هو عليه أمر غير مقبول وبأي شكل من الأشكال .. لا بد من حل في مكان ما .؟
إن الحل برأيي المتواضع قد يراه البعض غريباً او صادماً او شاذاً الى حد ما لكن لهذا الرأي ما يبرره من واقع الحال وتجارب الكثير من الشعوب والبلدان والتي تحولت الى دول متمدنة بالمفهوم الحقيقي للكلمة آلا وهو الفوضى ..!
نعم أيها السادة إنه الفوضى التي تمزق أواصر العلاقات التقليدية القديمة البالية بشكلها السلبي الإستبدادي المشوه من مفاهيم أيديولوجية وحزبية وعقائدية وتركيبة طائفية وحتى وطنية مشوهة مازالت سائدة حتى هذا اليوم ..
إن معظم دول العالم المتمدن لم تستورد المدنية والحداثة والتقدم والتحضر هكذا وبكبسة زر او جرة قلم بل عبرصراع ونضال مريرين ضد قوى الفساد والظلام والإحتكار والإستبداد الداخلي منه قبل الخارجي .. فأوروبا وعراقتها وأصالتة تقاليدها السياسية الحقوقية والوطنية وعلاقة الدولة كهيكل وكيان سياسي بالأفراد والناس كمواطنين ورعايا مرت بالكثير من الفوضى والعبثية في مسيرتها وصراعاتها حتى وصلت الى ما نراه عليه اليوم .. ولم يكن وليد عشية وضحاها ..
لقد تم دفع الفاتورة وكان الثمن مكلفاً وباهظاً من الدماء والضحايا والأرواح والسنين الطويلة المريرة ضد كافة أنواع وأشكال القوى الظلامية من السيطرة الدينية التي لطالما حاربت التقدم والتطور الى الديكتاتورية الملكية الأسرية التي سادت في تلك العصور .. تلك المرحلة هي ما سميناها ( قانون الدولة )بما لها وعليها من سلبيات وإنتقادات فكان يفرض احترام الدولة والطاعة والولاء لها بقوة الحديد والنار لكن هذا الوضع تغير اليوم بسبب الصراع الطويل والمرير بين أصحاب الحقوق ومغتصبيها ...
ففي بلادنا وابتداءاً من فترة الإستقلال وحتى الأن يسود ما كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى وقبل حركة التنوير .. صحيح أن لدينا دولة وسلطة وقانون وعلاقات تعاقدية .. هذا ما قد يقوله الكثيرون او قد يبدو ذلك للوهلة الأولى لكن وبنظرة موضوعية ومعمقة فاحصة للأمور ترينا العكس تماما ..!!
فالمفاهيم والمصطلحات المنقوشة في دساتيرنا المتعاقبة ما هي إلا حبر على ورق قد صيغت بطريقة كلاسيكية دغدغت أحلام التيارات العروبية والقومية التي سادت في القرن الماضي لكنها كما أحزابها بقيت في الإطار النظري .. فلا حقوق إنسان ولا مساواة ولا عدالة إجتماعية ولا احترام لمبدأ تكافؤ الفرص والعيش الكريم ولا محاسبة جادة ولا حتى مواطنة حقيقية ..
فأهلاً بكم في الشرق الأوسط العظيم ..! مهد الحضارات والكلمة كما يتغنّى الكثيرون بتلك المقولة ..!!
فهنا منطق القوة والسيطرة والهيمنة هو من يقود البلاد .. فإدارة وحكم مقدرات البلاد الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية هي بيد فئة قليلة جداً من المتنفذين وطبقة البيروقراطيين الفاسدين من تجار ومرابين ومتسلطين حاكمين بقوة الحديد والنار وبتزاوج وترويج فاسد من سلطة الدين ورجالات الأمن ..
هكذا تُدار البلاد وشؤونها في هذه البقعة الجغرافية .. إنه منطق قانون الدولة والقوة والسيطرة والهيمنة في مواجهة دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات .. هذا هو الواقع وإن لم يعجبك الوضع ياعزيزي ... فلتلطم رأسك بالجدار .
مهما تحدثنا عن تصحيح وتقويم وعلاج وضعنا ونظامنا وبنية وهيكلية الدولة والمجتمع وعلاقاته نعتقد أننا لن نخرج عن إطار المنظرين او المحاضرين .. لكن يبقى للشارع وقعه وتأثيره .. طبعاً اذا إستبعدنا لطم الرؤوس على الجدران فإنها لن تورثنا إلا تصدّع رؤوسنا وجدراننا.
صحيح إن هنالك دور للمفكرين والمثقفين والمتنورين والسياسيين في صقل وتطوير فكرة سيادة القانون واحترامه لكن هذا قد ينفع في مراحل زمنية سابقة وفي قرون اسبق أما الأن فلا أعتقد إنه الحل الناجع ..
ربما علينا المرور بما مرّت به أوروبا في العصور الوسطى السابقة فلا بد لنا من ثمن ندفعه حتى نحصل على حقوقنا وإستحقاقاتنا والصورة التي نريدها أن تليق بنا وببلادنا (مهد الحضارات والأبجديات).. لحاضرنا ومستقبلنا .
اذا كنا نريد دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان والمواطنة وليس التبعية .. فلا بد من تضحيات وتقدمات وقرابين تُدفع .. أما الشعارات والخطب والحلول الترقيعية هنا وهناك فهي ليست بالحلول أيها السادة ..
إنها ذرُ الرماد في العيون او تأجيل الأزمات والحلول الى عقود قادمة لتتفاقم وتتضخم .. مع معاودة إرتكاب نفس الخطايا ..
لا بد من ثورة حقيقية .. ثورة إجتماعية متكاملة المقاييس قوامها الحق والفكر والعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية (وبغض النظر عن شكل ونظام الحكم السياسي) ضد قوى الفساد المستشري إقتصادياً وإجتماعياً وحكومياً لقلب المفاهيم الأخلاقية والعلاقات الفاسدة والعتيقة التي سادت مع سيادة التيارات العروبية والقومية بوضعها المشوه ومنطق قانون الدولة والقوة والتسلط بإسم المصلحة العليا والسيادة الوطنية والأمن الإستراتيجي وغيرها من مصطلحات ومفاهيم الغرض منها تكريس سياسات الإفساد والتضليل .
فلا بد من إعادة العجلة الى مكانها الصحيح حتى تسير المركبة بشكلها الطبيعي لتصل بنا الى الهدف المرجو والمنشود .. إن ثورة الشعب ضد الظلم والفساد وقواه التي كرست وأسست للتفرقة وعدم المساواة واللاعدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان والسيطرة على مقدرات البلاد والعباد ونهبها بإسم المصلحة العليا للبلاد ومن قبل فئة قليلة ضالة وظالمة تتحكم وترسم مستقبل البلاد الأسود لهو هدف أساسي ونبيل وأجدر بالإتباع والتحدي وإن كان من ثمن وفاتورة ستدفع .. فلا شيء يأتي بالمجّان ..إنه المنطق الطبيعي للامور وتطور الأحداث ...
اللاذقية بتاريخ 24\9\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
الأحد، 2 أغسطس 2015
آن لعصر السوبرمان أن ينتهي ..!!
بالنظر الى طريقة وأسلوب عمل أي مؤسسة او دائرة او وزارة في القطاع الإداري والخدمي او حتى الجسم السياسي سيستوقفنا أمر قد يبدو عادياً للبعض او للكثيرين لكن بالنظر الى جذوره سيبدو خطيراً وتأثيره غالباً ما سيكون سبباً للإنتكاس والتراجع على المدى البعيد ..
إنه أيها السادة ظاهرة السوبرمان .. تلك الظاهرة القديمة والتي تعود في جذورها الى عصور ما قبل التاريخ المتمدن وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحاكمية الإلهية وعالم الغيب إنه ذلك المخلّص الذي لطالما انتظرته او صنعته الكثير من الشعوب والقوميات في أدبياتها وتراثها ودياناتها السائدة والبائدة ..
وهو ذلك الشخص الحكيم الحليم واسع الإطلاع وذو النظرة الثاقبة الذي يُعتمد عليه في كافة مجالات الحياة للإنتقال بالشعب والناس من عصور الهزيمة والإنحطاط الى عصور التنوير والإنتصارات ...!
إنني أتحدث هنا عن الشخص الفرد وبغض النظر عن موقعه او مكانته كحاكم او مُلهم او مشرّع او حتى أب روحي ..
لقد إرتبطت فكرة الإنسان المخلّص والقائد والحكيم في وجدان وثقافات الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية والشرقية خاصة بسبب إعتناقها لفكرة الدين كسبب من أسباب نشوء الحياة وظهورها على سطح هذه البسيطة ( طبعاً ولا نكاد ننسى ظاهرة الفرد الحاكم الإله التي ظهرت في بلدان كانت أقرب الى الوجودية منها الى التدين ولكنها في جوهرها استبدلت حاكمية الفرد الإله بشخصية الفرد الديكتاتور الشمولي بسبب إعتناقها لأيديولوجيات شمولية لا تعترف بالفكر الأخر فكانت أن جسدت نفس الأفة وإنزلقت لنفس المعترك ..) ..
وهذا الخلط أدى الى انتكاسة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة .. فشخصية الرجل المُرسل من السماء سواء أكان أباً روحياً أم رسولاً او ما الى ذلك من تسميات لطالما امتزجت بشخصية الحاكم السياسي ورجل الدولة ولو بالمفهوم البسيط والبدائي للكلمة عبر تاريخ ظهور ونُشوء الديانات والتزاوج السياسي الديني لمقاليد الحكم واستمرارها الى زماننا هذا على المستوى الثقافي الفكري .. وبالتالي انعكست بدورها على بقية شخصيات الحكم والإدارة ...
ومع تطور مفهوم الدولة بشكلها المدني الحالي وبعد مرورها بمراحل القبلية والعشائرية والقروية وأشباه المدن وظهور التعقيدات والإختصاصات في العمل والواجبات هذا ما أدى الى الحاجة لتبلور شكل الدولة بمظهرها الحالي الذي نراها عليه اليوم ..
لكن للأسف إن التطور الحضاري الذي رافق شكل الدولة في بنيتها وهيكلها السياسي والإجتماعي والمدني لم يرافقه تطور ثقافي في الوعي واللاوعي الإنساني الإجتماعي وخاصة العربي منه والإسلامي على وجه الخصوص والتحديد .؟
إن نظرة سريعة على العديد من الدول المدنية في العالم الحديث يعطينا فروقاً واضحة المعالم في شكل وألية عمل وإدارة الدولة ومرافقها على كافة الأصعدة ..
فمفهوم الحاكمية والرجل القائد والمخلّص والمنقذ إختفت وتلاشت من قواميس ودساتير وأدبيات تلك الدول وحتى في الفكر الجمعي لتلك الشعوب والأقوام وذلك إنعكاس لتطورها الفكري الثقافي والحضاري الإنساني والذي واكب التطور المدني والإداري والعمراني على إعتبارأنه مرّ بأزمات وكوارث وإنتكاسات كان لها أثر إيجابي على تبلور فكرة التشاركية في الحكم والإدارة والتداول السياسي والسلمي لإدارة البلاد بمنطق الواجب والمسؤولية ..
إن مفهوم إدارة الحكم والدولة هناك لا يقوم على أساس شخص السوبرمان ذلك الرجل المخلّص والمنقذ الذي سينقذ البلاد والعباد من كافة أزمات الشعب والبشر والحجر سواء السياسية او الإجتماعية او المالية المعاشية .
لأنه كما أشرنا سابقا .. فالمنطق المستخدم في الحكم على الأمور هو منطق التشاركية والتعاونية والخدماتية .. فالعمل الحكومي او الشأن العام او الخدمة هو مسؤولية بالدرجة الأولى وبالتالي كان لزاماً أن تقوم الدولة في بنيتها وإدارتها على منطق التشاركية في الحكم وأيضاً التخطئة والنقد الحقيقي والموضوعي عبر توازنات المعارضة والسلطة إضافة الى التداول الدائم والمستمر لإدارة شؤون البلاد والمحاسبة على كل تقصير وإهمال في حق الناس لتحقيق أفضل خدمة ورفاه للإنسان المواطن .. هكذا تدار البلاد أيها السادة ..!!
وهذا الأمر ( والحديث مازال عن الدول المتقدمة ) ما كان ليحدث او يتم الوصول إليه إلا بعد العديد من الخطوات والأليات وكان أهمها بناء الدولة المدنية العلمانية وذلك بعد فصل الدين والعقيدة عن الحياة المدنية والسياسية للبلاد وبهذا شيئاً فشيئاً اختفت فكرة الرجل السوبرمان المخلّص والمنقذ الذي يحكم بإلهام من السماء السابعة او التاسعة .. والغير قابل للتخطئة رغم ما قد يقترفه من كوارث وأزمات .
بينما في بلداننا العربية والإسلامية تحديداً فالوضع مختلف ومقلوب تماماً .. فالدين والعقيدة والطائفة مازال مسيطراً ومتنطحاً ومتصدياً لكل أمر سواء أكان مدنياً او إقتصادياً وإجتماعياً او سياسياً إبتداءاً من القيد المدني وإنتهاءاً بمصادر التشريع التي تُدار بها البلاد .. ورسم سياسة الدولة العليا وحتى تحديد الأعداء من الأصدقاء ..؟؟
وهذا ما أدى الى استمرار ثقافة السوبرمان في اللاوعي وحتى الوعي الجمعي على الحد السواء بحجة عدم وجود البديل .. طبعاً ليس بالسهولة إيجاد بديل لشخص يحكم بإلهام من السماء ..!!.. فالحل سيكون بتأجيل الأزمات وترحيلها ومراكمتها الى السنوات القادمة ..
إن اي حاكم في بلادنا إبتداءاً من أصغر شخصية إدارية في السلك الخدمي سواء أكان رئيساً للبلدية او محافظاً وإنتهاءاً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة تتصرف بهذا المنطق والأسلوب لأنها في المحصلة إنعكاس للفكر السائد في البيئة الحاضنة سواء المادية والإجتماعية والجغرافية والثقافية السائدة في الزمان والمكان المحددين ..
فما زال الناس يهلّلون لهذه الظاهرة سواء أكانوا في القطاع الخدمي الوظيفي أم خارجه .. ولا أدل على ذلك مما نراه حين يتم تعيين أي شخصية عامة ( موظف ) سواء سياسية او إدارية ( كالمحافظ او رئيس البلدية او الوزير .. وهلما جرا ..) فيقال عنه أنه المُنقذ على إعتبار أنه أخلاقي وسمعته تسبقه وبالتالي هو من سيتولى دفة القيادة في المنصب الموكل إليه .. لكن الصدمة والصحوة تأتي متأخرة قليلاً وخاصة بعد أن يفشل هذا المُنقذ او ذاك في مهمته ومسؤولياته الأسطورية السماوية .. فما الذي حصل او سيحصل ..؟؟
أيها السادة لا يكفي أن تكون أخلاقياً او أدمياً ... كما يقال بالعامية .. حتى تكون بالمحصلة سوبرماناً .. بل ليس مطلوباً منك هذا الدور الذي انتهت صلاحيته .. فالأمر أكثر بساطة من ذلك إنه يحتاج الى عدة شروط وأسباب موضوعية لنجاح أي عمل او مشروع كان ...
في البداية يجب إختيار الأشخاص على أساس الكفاءة والتجدد والرؤية المستديمة لروح الإبداع والمثابرة .. فالطيبة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجُرأة والحزم والقدرة على التطوير ضمن روح الفريق والجماعة وهو أيضاً عامل أخر مهم وحيوي لأن العمل في الشأن العام والخدمي لا يُبنى على سياسة ومنطق إعطاء الأوامر فحسب بل هو عمل جماعي تشاركي في نهاية المطاف لأنه يخدم الصالح العام وبالتالي يجب وضع الأليات والشروط والتعليمات لإزكاء وبناء هذا المفهوم الجوهري في حياتنا العامة ..
علينا بإمتلاك الخطة ..؟
إن تطبيق هذا المبدأ الحيوي والهام في حياتنا العملية والخدماتية يحتاج منّا الى تمهيد وتعبيد الطريق أولاً لأن أي عمل او خطوة او مشروع نسعى لتحقيقه وتنفيذه سواء على المدى القريب او البعيد او الإستراتيجي لن ينجح اذا لم نمتلك الخطة المناسبة والرؤية المناسبة والموضوعية .. والجدية والمستمرة والمتجددة لكل مرحلة نريد خطّها ورسمها وتنفيذها ..
إن قلب المفاهيم المغلوطة والسائدة في أي مجتمع وتحويلها الى مفاهيم واقعية براغماتية يحتاج الى ثورة تبدأ من الفكر أولاً ..
ففي موضوعنا هذا أول ما نحتاجه لتكريس مفهوم التشاركية وروح العمل الجماعي فعلاً لا قولاً هو تكريس مفهوم الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وهذا لن يتم تحقيقه بالأمنيات بل بخطوات عملية أولها فصل الدين عن مؤسسات الدولة ككل ( فالدولة شخص او كيان إعتباري لا دين له ) وعدم إقحام التشريعات الدينية في حياتنا المدنية وقوانيننا ودساتيرنا لما لها من تأثير سلبي على شكل وأسلوب وهيكلية بناء الدولة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ..
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن إلباس الدولة شخصية ومرجعية دينية سيجعلها ويجعل شخوصها غير قابلين للتخطئة والمُساءلة بإعتبارهم يحكمون بأمر وإلهام السماء ..وهذا ما سيزيد الطين بلة ..
إن علمنة الدولة ... وجعلها حاضنة لكل أفراد الشعب يتجلى بإدارتها بعقلية المؤسسات والعمل الجماعي والتشاركي وخضوع أفرادها لسلطة القانون ومؤسسات الدولة الحقوقية والمرجعيات القضائية بكل شفافية مع مواكبة إعلامية شفافة فالكل مسؤول أمام القانون ولا مبرر حين إذ بأن نلقي فشلنا وإخفاقاتنا وإنتكاساتنا على الأقدار والظروف الغامضة والمؤامرات الطارئة ..!!
لا نريد سوبرمانات ومُنقذين مُلهمين أيها السادة في بلداننا .. بل نريد أشخاص عاديين يتميزون بالجُرأة حين وقوع الخطأ والإعتراف به والخضوع للقانون والمُساءلة بقدر جرأتهم في طروحاتهم البنّاءة والتطورية أينما كان موقعهم الخدمي الوظيفي حتى نصل ذات يوم الى مكانة تستحق أن نليق بها وتليق بنا .. ونكون آهلاً لهذا الإستحقاق والإختبار الإنساني ..
اللاذقية بتاريخ 21\7\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
إنه أيها السادة ظاهرة السوبرمان .. تلك الظاهرة القديمة والتي تعود في جذورها الى عصور ما قبل التاريخ المتمدن وترتبط إرتباطاً وثيقاً بالحاكمية الإلهية وعالم الغيب إنه ذلك المخلّص الذي لطالما انتظرته او صنعته الكثير من الشعوب والقوميات في أدبياتها وتراثها ودياناتها السائدة والبائدة ..
وهو ذلك الشخص الحكيم الحليم واسع الإطلاع وذو النظرة الثاقبة الذي يُعتمد عليه في كافة مجالات الحياة للإنتقال بالشعب والناس من عصور الهزيمة والإنحطاط الى عصور التنوير والإنتصارات ...!
إنني أتحدث هنا عن الشخص الفرد وبغض النظر عن موقعه او مكانته كحاكم او مُلهم او مشرّع او حتى أب روحي ..
لقد إرتبطت فكرة الإنسان المخلّص والقائد والحكيم في وجدان وثقافات الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية والشرقية خاصة بسبب إعتناقها لفكرة الدين كسبب من أسباب نشوء الحياة وظهورها على سطح هذه البسيطة ( طبعاً ولا نكاد ننسى ظاهرة الفرد الحاكم الإله التي ظهرت في بلدان كانت أقرب الى الوجودية منها الى التدين ولكنها في جوهرها استبدلت حاكمية الفرد الإله بشخصية الفرد الديكتاتور الشمولي بسبب إعتناقها لأيديولوجيات شمولية لا تعترف بالفكر الأخر فكانت أن جسدت نفس الأفة وإنزلقت لنفس المعترك ..) ..
وهذا الخلط أدى الى انتكاسة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة .. فشخصية الرجل المُرسل من السماء سواء أكان أباً روحياً أم رسولاً او ما الى ذلك من تسميات لطالما امتزجت بشخصية الحاكم السياسي ورجل الدولة ولو بالمفهوم البسيط والبدائي للكلمة عبر تاريخ ظهور ونُشوء الديانات والتزاوج السياسي الديني لمقاليد الحكم واستمرارها الى زماننا هذا على المستوى الثقافي الفكري .. وبالتالي انعكست بدورها على بقية شخصيات الحكم والإدارة ...
ومع تطور مفهوم الدولة بشكلها المدني الحالي وبعد مرورها بمراحل القبلية والعشائرية والقروية وأشباه المدن وظهور التعقيدات والإختصاصات في العمل والواجبات هذا ما أدى الى الحاجة لتبلور شكل الدولة بمظهرها الحالي الذي نراها عليه اليوم ..
لكن للأسف إن التطور الحضاري الذي رافق شكل الدولة في بنيتها وهيكلها السياسي والإجتماعي والمدني لم يرافقه تطور ثقافي في الوعي واللاوعي الإنساني الإجتماعي وخاصة العربي منه والإسلامي على وجه الخصوص والتحديد .؟
إن نظرة سريعة على العديد من الدول المدنية في العالم الحديث يعطينا فروقاً واضحة المعالم في شكل وألية عمل وإدارة الدولة ومرافقها على كافة الأصعدة ..
فمفهوم الحاكمية والرجل القائد والمخلّص والمنقذ إختفت وتلاشت من قواميس ودساتير وأدبيات تلك الدول وحتى في الفكر الجمعي لتلك الشعوب والأقوام وذلك إنعكاس لتطورها الفكري الثقافي والحضاري الإنساني والذي واكب التطور المدني والإداري والعمراني على إعتبارأنه مرّ بأزمات وكوارث وإنتكاسات كان لها أثر إيجابي على تبلور فكرة التشاركية في الحكم والإدارة والتداول السياسي والسلمي لإدارة البلاد بمنطق الواجب والمسؤولية ..
إن مفهوم إدارة الحكم والدولة هناك لا يقوم على أساس شخص السوبرمان ذلك الرجل المخلّص والمنقذ الذي سينقذ البلاد والعباد من كافة أزمات الشعب والبشر والحجر سواء السياسية او الإجتماعية او المالية المعاشية .
لأنه كما أشرنا سابقا .. فالمنطق المستخدم في الحكم على الأمور هو منطق التشاركية والتعاونية والخدماتية .. فالعمل الحكومي او الشأن العام او الخدمة هو مسؤولية بالدرجة الأولى وبالتالي كان لزاماً أن تقوم الدولة في بنيتها وإدارتها على منطق التشاركية في الحكم وأيضاً التخطئة والنقد الحقيقي والموضوعي عبر توازنات المعارضة والسلطة إضافة الى التداول الدائم والمستمر لإدارة شؤون البلاد والمحاسبة على كل تقصير وإهمال في حق الناس لتحقيق أفضل خدمة ورفاه للإنسان المواطن .. هكذا تدار البلاد أيها السادة ..!!
وهذا الأمر ( والحديث مازال عن الدول المتقدمة ) ما كان ليحدث او يتم الوصول إليه إلا بعد العديد من الخطوات والأليات وكان أهمها بناء الدولة المدنية العلمانية وذلك بعد فصل الدين والعقيدة عن الحياة المدنية والسياسية للبلاد وبهذا شيئاً فشيئاً اختفت فكرة الرجل السوبرمان المخلّص والمنقذ الذي يحكم بإلهام من السماء السابعة او التاسعة .. والغير قابل للتخطئة رغم ما قد يقترفه من كوارث وأزمات .
بينما في بلداننا العربية والإسلامية تحديداً فالوضع مختلف ومقلوب تماماً .. فالدين والعقيدة والطائفة مازال مسيطراً ومتنطحاً ومتصدياً لكل أمر سواء أكان مدنياً او إقتصادياً وإجتماعياً او سياسياً إبتداءاً من القيد المدني وإنتهاءاً بمصادر التشريع التي تُدار بها البلاد .. ورسم سياسة الدولة العليا وحتى تحديد الأعداء من الأصدقاء ..؟؟
وهذا ما أدى الى استمرار ثقافة السوبرمان في اللاوعي وحتى الوعي الجمعي على الحد السواء بحجة عدم وجود البديل .. طبعاً ليس بالسهولة إيجاد بديل لشخص يحكم بإلهام من السماء ..!!.. فالحل سيكون بتأجيل الأزمات وترحيلها ومراكمتها الى السنوات القادمة ..
إن اي حاكم في بلادنا إبتداءاً من أصغر شخصية إدارية في السلك الخدمي سواء أكان رئيساً للبلدية او محافظاً وإنتهاءاً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة تتصرف بهذا المنطق والأسلوب لأنها في المحصلة إنعكاس للفكر السائد في البيئة الحاضنة سواء المادية والإجتماعية والجغرافية والثقافية السائدة في الزمان والمكان المحددين ..
فما زال الناس يهلّلون لهذه الظاهرة سواء أكانوا في القطاع الخدمي الوظيفي أم خارجه .. ولا أدل على ذلك مما نراه حين يتم تعيين أي شخصية عامة ( موظف ) سواء سياسية او إدارية ( كالمحافظ او رئيس البلدية او الوزير .. وهلما جرا ..) فيقال عنه أنه المُنقذ على إعتبار أنه أخلاقي وسمعته تسبقه وبالتالي هو من سيتولى دفة القيادة في المنصب الموكل إليه .. لكن الصدمة والصحوة تأتي متأخرة قليلاً وخاصة بعد أن يفشل هذا المُنقذ او ذاك في مهمته ومسؤولياته الأسطورية السماوية .. فما الذي حصل او سيحصل ..؟؟
أيها السادة لا يكفي أن تكون أخلاقياً او أدمياً ... كما يقال بالعامية .. حتى تكون بالمحصلة سوبرماناً .. بل ليس مطلوباً منك هذا الدور الذي انتهت صلاحيته .. فالأمر أكثر بساطة من ذلك إنه يحتاج الى عدة شروط وأسباب موضوعية لنجاح أي عمل او مشروع كان ...
في البداية يجب إختيار الأشخاص على أساس الكفاءة والتجدد والرؤية المستديمة لروح الإبداع والمثابرة .. فالطيبة وحدها لا تكفي إن لم ترافقها الجُرأة والحزم والقدرة على التطوير ضمن روح الفريق والجماعة وهو أيضاً عامل أخر مهم وحيوي لأن العمل في الشأن العام والخدمي لا يُبنى على سياسة ومنطق إعطاء الأوامر فحسب بل هو عمل جماعي تشاركي في نهاية المطاف لأنه يخدم الصالح العام وبالتالي يجب وضع الأليات والشروط والتعليمات لإزكاء وبناء هذا المفهوم الجوهري في حياتنا العامة ..
علينا بإمتلاك الخطة ..؟
إن تطبيق هذا المبدأ الحيوي والهام في حياتنا العملية والخدماتية يحتاج منّا الى تمهيد وتعبيد الطريق أولاً لأن أي عمل او خطوة او مشروع نسعى لتحقيقه وتنفيذه سواء على المدى القريب او البعيد او الإستراتيجي لن ينجح اذا لم نمتلك الخطة المناسبة والرؤية المناسبة والموضوعية .. والجدية والمستمرة والمتجددة لكل مرحلة نريد خطّها ورسمها وتنفيذها ..
إن قلب المفاهيم المغلوطة والسائدة في أي مجتمع وتحويلها الى مفاهيم واقعية براغماتية يحتاج الى ثورة تبدأ من الفكر أولاً ..
ففي موضوعنا هذا أول ما نحتاجه لتكريس مفهوم التشاركية وروح العمل الجماعي فعلاً لا قولاً هو تكريس مفهوم الدولة المدنية أي دولة القانون والمؤسسات وهذا لن يتم تحقيقه بالأمنيات بل بخطوات عملية أولها فصل الدين عن مؤسسات الدولة ككل ( فالدولة شخص او كيان إعتباري لا دين له ) وعدم إقحام التشريعات الدينية في حياتنا المدنية وقوانيننا ودساتيرنا لما لها من تأثير سلبي على شكل وأسلوب وهيكلية بناء الدولة والتمييز بين أبناء المجتمع الواحد ..
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن إلباس الدولة شخصية ومرجعية دينية سيجعلها ويجعل شخوصها غير قابلين للتخطئة والمُساءلة بإعتبارهم يحكمون بأمر وإلهام السماء ..وهذا ما سيزيد الطين بلة ..
إن علمنة الدولة ... وجعلها حاضنة لكل أفراد الشعب يتجلى بإدارتها بعقلية المؤسسات والعمل الجماعي والتشاركي وخضوع أفرادها لسلطة القانون ومؤسسات الدولة الحقوقية والمرجعيات القضائية بكل شفافية مع مواكبة إعلامية شفافة فالكل مسؤول أمام القانون ولا مبرر حين إذ بأن نلقي فشلنا وإخفاقاتنا وإنتكاساتنا على الأقدار والظروف الغامضة والمؤامرات الطارئة ..!!
لا نريد سوبرمانات ومُنقذين مُلهمين أيها السادة في بلداننا .. بل نريد أشخاص عاديين يتميزون بالجُرأة حين وقوع الخطأ والإعتراف به والخضوع للقانون والمُساءلة بقدر جرأتهم في طروحاتهم البنّاءة والتطورية أينما كان موقعهم الخدمي الوظيفي حتى نصل ذات يوم الى مكانة تستحق أن نليق بها وتليق بنا .. ونكون آهلاً لهذا الإستحقاق والإختبار الإنساني ..
اللاذقية بتاريخ 21\7\2015
بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
الخميس، 16 يوليو 2015
وهم الإعجاز
ويقول د. خالد منتصر في هذه الخصوص:
"إن الإعجاز العلمي في القرآن والأحاديث النبوية وهم واكذوبة كبرى يسترزق منها البعض ويجعلون منها بيزنس... من يروجون للإعجاز العلمي لا يحترمون العقل بل بتعاملون معنا كبلهاء ومتخلفين ما علينا إلا ان نفتح افواهنا مندهشين ومسبحين بمعجزاتهم بعد كلامهم الملفوف الغامض الذي يعجب معظم المسلمين بسبب الدونية التي يحسون بها وعقدة النقص التي تتملكهم والفجوة التي ما زالت تتسع بيننا وبين الغرب فلم نعد نملك من متاع الحياة إلا أن نغيظهم بأننا الأجدع والأفضل وأن كل ما ينعمون به وما يعيشون فيه من علوم وتكنولوجيا تحدث عنها قرآننا قبلهم بألف وأربعمائة سنة" .
.. من كتاب وهم الإعجاز العلمي ..
"إن الإعجاز العلمي في القرآن والأحاديث النبوية وهم واكذوبة كبرى يسترزق منها البعض ويجعلون منها بيزنس... من يروجون للإعجاز العلمي لا يحترمون العقل بل بتعاملون معنا كبلهاء ومتخلفين ما علينا إلا ان نفتح افواهنا مندهشين ومسبحين بمعجزاتهم بعد كلامهم الملفوف الغامض الذي يعجب معظم المسلمين بسبب الدونية التي يحسون بها وعقدة النقص التي تتملكهم والفجوة التي ما زالت تتسع بيننا وبين الغرب فلم نعد نملك من متاع الحياة إلا أن نغيظهم بأننا الأجدع والأفضل وأن كل ما ينعمون به وما يعيشون فيه من علوم وتكنولوجيا تحدث عنها قرآننا قبلهم بألف وأربعمائة سنة" .
.. من كتاب وهم الإعجاز العلمي ..
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)