في خضم معركة الحياة وتشعبات تفاصيلها تتشابك مصالح البشر مع بعضها البعض إما سلباً او إيجاباً ومن خلال هذا التفاعل ينتج عنه عدة علاقات وإلتزامات كان وما زال أشهرها وأكثرها إلتصاقا بحياة البشر ومصالحهم آلا وهو الوثائق الكتابية بمختلف انواعها من عقود وسندات .. ووكالات الى آخر ذلك من وثائق ملزمة .
وقد نظمت معظم دول العالم المتمدن عبر تشريعاتها الوضعية مسألة إثبات الإلتزامات عبر توثيقها بواسطة الأدلة الكتابية والتي تستمد قوتها الثبوتية والقانونية من البصمة او التوقيع الممهور به السند او العقد المراد الإحتجاج به على الغير ...
فقد نصت أغلب تشريعات الدول عبر قوانين خاصة ومنها القانون السوري ( قانون البيّنات ) على أن أي دليل كتابي او سند عادي يستمد قوته الثبوتية من توقيع صاحبه او إمضاءه او بصمة اصبعه ( المادة 9 قانون البيّنات السوري )
قد لا تظهر المشكلة في حالة السند الرسمي والذي يتم تنظيمه او توثيقه أمام جهة رسمية وأمام موظف رسمي لأن إنكار البصمة او التوقيع في مثل هذه الحالة من الصعب بمكان وبالتالي لا يستطيع صاحب البصمة او التوقيع إنكار بصمته او توقيعه الممهورين على السند الرسمي إلا بالإدعاء بالتزوير أمام المراجع القضائية المختصة ( المادة 6 قانون البيّنات السوري ) .
لكن بالنسبة للأسناد العادية والتي عادة ما يتم تنظيمها وإنشاءها خارج الدوائر الرسمية للدولة او الحكومة وتتم بين الأفراد أنفسهم .. فهنا تكمن الاشكالية ..؟؟
فالشخص الذي يُحتج عليه بسند عادي ولا يريد الإعتراف به ما عليه سوى إنكار ما هو منسوب إليه من خط او بصمة او توقيع ليتخلص من الإلتزامات المترتبة عليه ( المادة 10 قانون البيّنات السوري ) والتي تثبت عن طريق الخبرة الفنية لتحليل البصمة او التوقيع وتحت إشراف القضاء المختص الواضع يده على ملف الدعوى بأنها لا تعود لهذا الشخص او ذاك .
لكن الإشكالية تظهر وتتجلى حينما تؤكد الخبرة الفنية وعن طريق المضاهاة بأن البصمة او التوقيع تعود الى هذا الشخص المذكور والذي تم الإحتجاج عليه بموجب سند او عقد كتابي ..!!
فنرى الشخص يؤكد ويقسم بأغلظ الأيامين والمقدسات بأنه لم يقم بالتوقيع او البصم على أي عقد او سند يرتب عليه إلتزامات بالبيع او الوفاء او الدفع ..
إن هذه الإشكاليات يمكن أن تحدث وتظهر في حياتنا اليومية وخاصة بتطور أساليب الإحتيال والإلتفاف على القانون والتشريعات متزامناً مع غياب الأخلاق والضمير عبر محاولة حصول البعض على مختلف الأدلة الكتابية بكافة أشكالها وأنواعها ممهورة ببصمة أصبع الشخص المدين او المكلف بأداء إلتزام ما ..؟؟
وقد تتم هذه الطرق والأساليب بعدة وسائل وآليات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
كأن يتم تخدير شخص ما عبر دس المخدر في شرابه وبعد فقده للوعي يتم الحصول على بصمة أصبعه وإنزالها على عدة سندات او عقود ومن دون أدنى وعي او إرادة او معرفة لهذا الشخص الفاقد للوعي والمسلوب الإرادة أصلاً .
او أن يتم إستغلال نوم شخص ما ويتم إسقاط بصمته على عدة عقود بيع وسندات تتضمن إلتزامات مرهقة له ومن دون أي مقابل مادي وبعدها يتم استخدامها بمواجهة هذا الشخص او ورثته لسلبه ممتلكاته وإرهاقه مادياً ومعنوياً
او بإستغلال وفاة شخص بصورة سريعة وغير معلنة من بعض الورثة عبر سرقة إرادته المفقودة بوضع بصمته على أوراق يتم تعبئتها لاحقاً وذلك لسرقة أموال التركة من بقية الورثة المشغولين بأمور أخرى .
ولا يخفى على أحد وخاصة العاملين في مجال القانون أنه من الصعوبة بمكان إثبات أن هذه الوثائق والأدلة الكتابية غير سليمة وغير صادرة عن صاحبها بمحض إرادته الحرة الواعية وخاصىة أن القانون الوضعي قد أعطاها قوة ثبوتية الى حد ما ..
وهنا تدور رحى المعارك القضائية والقانونية بين أطراف النزاع وخاصة الطرف الأضعف في هذه المعادلة للمحاولة عبثاً منه الإفلات من هذا الإلتزام الصوري المرهق والغير عادل وخاصة أنه وقع ضحية عملية إحتيال قذرة .
قد لا تبدو هذه الإشكالية واضحة وجلية في الكثير من دول العالم المتمدن والتي قطعت شوطاً في مجال التوثيق حيث يتم توثيق كافة الأوراق والأدلة الكتابية أمام الجهات الرسمية او عند رجالات القانون والمحاماة وهذا بدوره يعكس درجة الوعي الثقافي والقانوني والتنظيمي في تلك المجتمعات ..
إضافة الى أن هذه البلدان اعتمدت في الكثير من تعاملاتها على نظام التوقيع او البصمة الإلكتروني والتي بموجبها يتم التوقيع على وثيقة الكترونية وذلك بعد إدخال رمز سري خاص ورقم كود لا يعرف مضمونه إلا الشخص المعني بذلك وبالتالي فإن إحتمالية الإحتيال والخداع في هكذا مسألة تقل فرصها بشكل كبير اذا لم نقل أنها معدومة .
لكن الأدلة الكتابية والتي جعل القانون الوضعي لموضوع البصمة فيها الكلمة الفصل وخاصة في مجتمعاتنا .. فهنا تكمن الإشكالية الحقيقية .
لأنه وكما ذكرنا سابقاً إن احتمالية حصول العديد من هذه الحوادث يبقى كبير في مجتمعاتنا والذي مازالت تسوده ثقافة تنظيم المعاملات والأوراق وتحريرها خارج الإطار الرسمي ويسود الكثير من التعاملات مبدأ المجاملة والثقة المبالغ فيها والغير مبررة نتيجة الجهل وقلة الوعي القانوني والتخلف والخضوع للتقاليد والأعراف الإجتماعية العتيقة والتي تحد من اللجوء الى المختصين من رجال القانون لتوثيق مثل هكذا معاملات وتعاملات ..
وبوجود مثل هكذا بيئة خصبة ومتردية ستظهر العديد من الإشكاليات والتي تحمل تبعات قانونية بين أفراد المجتمع والتي يتوجب على المشرع في بلادنا أن يتصدى لها فلا يكفي أن يوجد في تقنين كقانون البينات والذي يعود تاريخه لعام ( 1947 ) نصوص تشير الى أن الأسناد والأدلة الكتابية تستمد قوتها الثبوتية من توقيع او بصمة صاحبها عليها ..؟؟!!
على التشريع الوضعي أن يواكب التطور الحياتي وتشابك التعقيدات اليومية والمستقبلية وأن ينظر نظرة إستباقية وإستشرافية بشكل طردي لا عكسي مع تقاطع المصالح او تنافرها ويكون سبّاقاً الى إحتواءها .
لذلك وبحسب رأيي المتواضع لا بد من تعديل بعض نصوص قانون البيّنات بحيث يتم وضع نصوص واضحة وجلية تؤكد على أن الأدلة الكتابية العادية بمختلف أنواعها من عقود وأسناد تتضمن إلتزامات لا بد من تنظيمها من قبل أشخاص مهنيين واحترافيين ومختصين في مجال القانون والمحاماة بحيث يتم إضفاء الطابع القانوني عليها ليتم إعتمادها من قبل القضاء..
وبذلك يتم الحد قدر الإمكان من حوادث الإحتيال والإلتفاف على القانون والعدالة وإرادة الأفراد والى أن يتم إعتماد نظام التوقيع الإلكتروني في بلدنا ..؟؟ ولكي لا تتحول البصمة المرتبطة بشخص الإنسان والمعبرة عن إرادته الى .. نقمة.. على صاحبها وخلفه وورثته ومن لف لفيفهم وخاصة أننا في رحى القرن الواحد والعشرين ..!!
بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:ihab_1975@hotmail.com
gmail:ihabibrahem1975@gmail.com
https://plus.google.com/u/0/101994558326112312008/posts
https://plus.google.com/u/0/b/108194967624983296938/108194967624983296938/posts