الإلحاد برأيي هو موقف إيجابي أكثر منه سلبي كما يظن الكثير من الناس لأنه في المقام الأول هو حرية أختيار لأمر ما ... وثانياً هو رفض لنوع من الإستبداد الفكري والعقائدي الذي تمارسه السلطة الأبوية او الدينية في توريث الثقافة الدينية وبالتالي إن الذي يحصل هو الأتي إننا نرث ثقافتنا الدينية كما نرث أسمائنا او نرث لون عيوننا او هيئة شعرنا وطول قامتنا .... فأين دور العقل والإرادة في إختيار ما نريد أن نكون عليه وبالتالي الشخص المتدين او المتشدق بالتدين ما هو إلا شخص من صنع الأخرين ومسلوب الإرادة وخاصة أن التلقين يتم في مراحل مبكرة من العمر وبذلك يصعب معه رؤية الألوان الأخرى او الثقافات المختلفة ومع مرور الزمن يصاب الشخص المتدين بنوع من التكلس الذهني والرعونة في الأخذ والرد ومع تراكم الفجوة بين المتدين الى حد التطرف وبين الأخرين يتحول رويداً الى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت متى توفرت لها الأسباب والشروط الموضوعية والظروف المادية ...
لكن في المقابل نرى الملحد او اللاأدري شخص منفتح على كل الأراء والثقافات وهو غيرمتعصب الى تيار فكري او ديني محدد وهو بطبيعة الحال أكثر ليونة ومرونة في التعامل وبالنتيجة لا يمكن أن يتحول في يوم من الأيام الى قنبلة موقوتة آخرى كما رأينا في المثال الأول حتى إنني أكاد أجزم أن أحد منّا لم يسمع او يرى لا على الأرض او على شاشات التلفزة او عبر مختلف وسائل الإعلام أن احد العلمانيين او الملحدين قد فجر نفسه في سيارة مفخخة او قام بحمل السلاح في معركة فكرية طمعاً بالشهادة او إعلاءاً لكلمة الرب القابع في السماء ...أو إنتقاماً وتشفياً من الأخرين لسبب ما او لشعوره بالنقص أو الدونية ...!!
من هنا نرى الفارق بين النتيجتين في كلتا الحالتين فالأول يتحول الى أداة للقتل والعنف والإرهاب والإنفجار والإنشطار ... والثاني يتحول الى انسان مدني عقلاني متحضر بشرط أن يلتزم بمبادىء حقوق الإنسان والعدالة واحترام القوانين التي من صنع البشر والقابلة للتعديل والتبديل بأي وقت اذا ما اصبحت عائقاً في وجه التقدم البشري والعلمي ....
قد يعتقد البعض إنني ضد الأديان بشكل مطلق ... هذا فيه تجني ومبالغة ولكن الموضوع يحتاج الى القليل من التمحيص إن الإيمان في مطلق الأحوال ينبع من القناعة فحين تقتنع بشيء ما تؤمن به ..ويكون ذلك مترافقاً بأدلة قوية وقطعية لا تقبل الشك العقلي فبغياب الأدلة القطعية لا بد لمنطق الشك والبحث والتمحيص من أن يأخذ دوره وفعله في مطلق الأحوال ... أما في حالة شخص مثلي فالأديان بما فيها من تناقضات وإرهاصات تصيبني بالغثيان ولكن الأمر إنني شخص أُحب أن أكون إيجابياً الى حد ما فالأديان سواء أخذت بها او لا هذا لا يلغي حقيقة أنها موجودة والكثير من البشر يعتبرها غاية الحياة ويسيير حياته على أساس خدمة الدين وإعلاء كلمته وإظهارها على بقية الكلمات ... المهم ان لا تتسبب هذه الخيارات والمواقف المتشبسة المتشنجة بالضرر للأخرين والآسى والحزن للكثيرين ....
لكن الواقع المر يعكس بخجل حقيقة إستخدام الإديولوجيا الدينية وتأثيراتها على عقول البشر المؤدلجة بطريقة التدجين والتعليب ومن ثما يتم فتح تلك العلب المنتهية الصلاحية أصلاً ليتم بها محاربة كل ما هو جميل ومتمدن وسلمي في هذه الحياة بإسم الدين والإله ..؟؟
الحل لهذه المشكلة هو بسؤال مباشر وواضح (أيهما أهم في هذا العالم الإنسان أم الأديان ) او بتعبير آخر أيهما يجب أن يكون في خدمة الأخر هل الإنسان في خدمة الأديان أم يجب أن تكون الأديان في خدمة الإنسان ؟؟؟؟؟
الجواب بسيط جداً ولا يحتاج الى فلسفة او علم فلك وكأنها معادلة رياضية بمجهول واحد من الدرجة الاولى ... الأديان وجدت او صُنعت لخدمة الإنسان أي انسان ..!!!!
لنفرض جدلاً أن الإنسان قد إنقرض من على وجه الأرض لسبب ما فهل سيتم إعمار الارض وبنائها بالأديان المقدسة او غير المقدسة ؟؟؟
ومن تراه سيقوم بإحياء الطقوس الدينية وهلوساتها المتطرفة وبهرجاتها المتصنعة ..!!
لنعكس الحالة لو أن الأرض تم تطهيرها من كافة أشكال الثقافات الدينية والمقدسة ...
فالحياة ستستمر وبكل تأكيد وسيستمر الإنسان المتمدن بالبناء والتطوير .... متسلحاً بالعلم والعقل والإرادة والأخلاق والقانون الإجتماعي القابل للتعديل والتبديل تبعاً لتطور وتعقد الحياة وتغير تفاصيلها .. واريد أن أركز هنا على مسألة الأخلاق والتي يعتقد الكثير منا أنها من صنع الثقافة الدينية لذلك يرفعون السيف والسياط في وجه كل صوت معارض لها .. لكن الحقيقة غير ذلك تماماً فالإنسان ونتيجة تفاعله مع الأخرين من بشر وطبيعة ومنظومة علاقات توصل الى مجموعة من المبادىء الاخلاقية التي تصلح لكل زمان ومكان حتى تثبت فشلها ومخالفتها للواقع بالتجربة والممارسة العملية لذلك فالأخلاق هي نتيجة طبيعية لتطور وتمدن فكر الإنسان وممارساته وسلوكياته ..
فالنتيجة النهائية والوحيدة هي أن الإنسان هو الأهم والأسمى في كل المبارزات او المقارنات ولأنه جوهر هذه الحياة ولا يعلو عليه أي مقدس او سماوي فهو الوجود واللاوجود .....بكافة تفاصيله وتجلياته ..
وبالمحصلة فعلى الشخص المتدين أن يعيد النظر ويمعن التفكير في نظرته الى المقدس وفي نظرته الى الإنسان الأخر ليعرف الفرق قبل أن يقوم بالتصرف الخاطىء ويندم اذا تبقى له متسع من الوقت للندم وتوبة الضمير ......
بقلم المحامي : إيهاب ابراهيم - www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
e.mail:ihab_1975@hotmail.com